ويبدأ بالأسهل كما بدأ الله به، بدأ الله تعالى بالإطعام؛ لأنه أسهل ثم بالكسوة لأنها أصعب ثم بعتق الرقبة؛ لأنها أشقُّ.
فإن قال قائل: كيف يعادل إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم بعتق الرقبة؟ فالجواب من وجهين: الوجه الأول: أنه قد يأتي زمان تكون الرقبة رخيصة والطعام والكسوة غالية، ثانيًا: أنه لا شك أن الغالب في كل زمان أن قيمة الرقبة أعلى وأغلى فيقال: إنّ في هذا إشارة إلى أن الذي انتهك حرمة اليمين لابد أن يفدي نفسه بمثلها وهو عتق الرقبة، لكن من نعمة الله أن خفف على عباده وجعل إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم بمنزلة عتق الرقبة، أما إذا لم يجد فيصوم ثلاثة أيام متتابعة.
من فوائد هذا الحديث: أولاً: صحة النذر الذي لم يسم، ويدل على صحته ترتب الحكم عليه؛ لأن ما ليس بصحيح لا يترتب عليه شيء، لكن إذا صح رتبت عليه الأحكام ووجهه قوله:"فكفارته كفارة يمين".
ومن فوائده: أن نذر المعصية منعقد، ولكن لا يجوز الوفاء به، بل يكفر كفارة يمين وجاء ذلك ظاهر؛ لأنه إذا كان النذر الذي لم يسم فيه كفارة يمين فنذر المعصية الذي يحرم الوفاء به من باب أولى.
ومن فوائد الحديث: تقديم طاعة الله على هوى النفس؛ لقوله:"فكفارته كفارة يمين" يعني: ولا يعصي الله مع أن الرجل الذي نذر أن يفعل المحرم إنما نذره؛ لأن نفسه تهواه فيقال له: رضا الله فوق هواه خالف الهوى وكفر كفارة يمين.
ومن فوائد الحديث: أن نذر المستحيل منعقد، ولكن فيه كفارة يمين؛ لقوله:"ومن نذر ندرًا لا يطيقه".
ومن فوائد هذا الحديث: أن الطاقة وعدمها تختلف باختلاف الناس، فمن الناس من يطيق ما لا يطيقه الآخرون، فكل إنسان بحبسه، والقاعدة أن من نذر نذرًا لا يطيقه فإن عليه كفارة يمين ولا يكلف نفسه بذلك.
ومن فوائد الحديث: أنه شاهد لقول الله تعالى: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها}، وقوله:{فاتقوا الله ما استطعتم}[التغابن: ١٦]. بدليل أن الإنسان لم يلزم بفعل المنذور إذا كان لا يطيقه، ولكن كفارة عليه كفارة يمين.