للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدس ولم ندري؛ لماذا خصَّ بيت المقدس مع أن عنده المسجد النبوي، وهو أشرف البقاع بعد مكة؟ لكن لا ندري ما السبب، قال: "صلِّ هاهنا" أي: في مكة؛ لأن مكة أفضل من بيت المقدس "فسأله" يعني: أعاد السؤال، فقال: "صلَّ هاهنا فسأله فقال: شأنك إذن" يعني: اصنع شأنك أي: ما تريد "إذن" أي: حين لم تقبل الرخصة.

في هذا الحديث دليل على فوائد: أولاً: أن الإنسان إذا نذر فإنه يجب عليه الوفاء بالنذر؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "صل هاهنا".

ومن فوائده: أنه يصح النذر المعلق؛ لقوله: "إني نذرت إن فتح الله عليك"، وسواء كان النذر معلقًا على شيء عام أو على شيء خاص كما يصح النذر المطلق.

ومن فوائد الحديث: أنه يجوز الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صل هاهنا" وعلى هذا فإذا نذر أن يصلِّي في مكة لم يجز في غيرها لأنها أفضل البقاع، وإذا نذر أن يصلِّي في المدينة في المسجد النبوي جاز في المسجد النبوي وجاز في مكة، وإذا نذر أن يصلي في بيت المقدس جاز في بيت المقدس، وفي المسجد النبوي، وفي المسجد الحرام؛ لأنه انتقل إلى ما هو أفضل.

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان لو نوى أن ينفق في شيء من أعمال البر، ثم أراد أن ينقله إلى شيء آخر أفضل فلا بأس، ومن ذلك إذا وقَّف وقفًا على طائفة معينة أو على جهة معينة ثم أراد أن ينقله إلى مكان آخر أفضل فلا بأس، فلو أن الإنسان وقف بيته على طائفة معينة ثم رأى من المصلحة أن يبيع هذا البيت وينقله إلى بيت أفضل في مكان الناس فيه أحوج فإن ذلك لا بأس، وهذا القول هو القول الراجح، ويدل عليه هذا الحديث، والمشهور من المذهب إنه لا يجوز بيعه، أي: الموقوف، إلا أن تتعطل منافعه، فما دام فيه منفعة، ولو قليلة فإنه لا يجوز بيعه، لكن الصحيح ما قدمناه؛ لدلالة الحديث عليه.

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان إذا أردا أن يشقَّ على نفسه، فإننا نوليه ما تولى ذلك؛ لأن هذا الرجل أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يصلى في مكة ولكنه أبى إلا أن يشقَّ على نفسه فقال: "شأنك إذن" فإن قال قائل: كيف يكون هذا وقد تبرأ النبي صلي الله عليه وسلم من القوم الذين قال بعضهم: إنه يصلي ولا ينام، والآخر قال: يصوم ولا يفطر والثالث: قال: لا أتزوج النساء فيقال في الجواب عن ذلك: إنّ هؤلاء القوم الثلاثة أرادوا أن يغيروا تغييرًا ظاهرًا في الشريعة فيصوم أحدهم بلا فطر، والثاني يقوم بلا نوم، والثالث لا يتزوج النساء، أما هذا فهي مسألة فردية لا يتغير بها شيء؛ فلذلك قال له: "شأنك إذن" على أنه ربما نفهم من قوله: "شأنه إذن" نفهم منه: أن

<<  <  ج: ص:  >  >>