الرسول يكره هذا، كره أن يصمم على أن يذهب إلى بيت المقدس، وفرق آخر أن الذهاب إلى بيت المقدس ليس كالإشقاق فيما إذا ما صام ولم يفطر أو قام ولم ينم أو ترك النكاح.
١٣٢٥ - وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي هذا". متَّفق عليه، واللَّفظ للبخاريِّ.
قوله:"لا تشد الرحال""لا": نافية وليست ناهية، لو كانت ناهية لقال: لا تشدوا الرحال فهي نافية، لكن هذا النفي بمعنى: النهي والخبر يأتي بمعنى الطلب سواء كان أمرًا أو نهيًا؛ لأنه أبلغ إذ كان هذا الأمر أمر مفروغ منه لا يحتاج إلى نهي ولهذا قال العلماء: إنّ إتيان الخبر في موضع الطلب يدل على توكيد هذا الطلب، وهذا حق كقوله تعالى:{والمطلقات يتربصن بأنفسهن}[البقرة: ٢٢٨]. فهنا جملة {يتربصن} جملة خبرية، والمراد بها: الأمر، فيكون هذا أوكد، ووجه التوكيد: أن جعله بمنزلة الخبر أو التحدث عنه كأنه خبر مستقر يدل على أن هذا الأمر مفروغ منه وأن هذا هو الحال وقوله: "لا تشد الرحال" جمع رحل، وهو: ما يحمل على البعير، أو بعبارة أصح وأعم ما يحمل على المركوب، أي: ما يحمله المسافر من متاع على مركوبه "إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام" هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته وأصله المسجد الحرام، الثاني "مسجد الأقصى"، كالأول من باب إضافة الموصوف إلى صفته، و"مسجدي هذا" والمشار إليه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه فهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز شدُّ الرحل إلى أي مكان من الأرض إلا هذه المساجد الثلاث؛ لأن هذه هي البقع المفضلة على غيرها فأفضلها مكة ثم المدينة ثم الأقصى وما سواها من البقع، فإنه لا يجوز شد الرحل إليها من أجل هذه البقعة، أما إذا كان يشد الرحل إليها من أجل أمر آخر لا يتعلق بالبقعة فلا بأس، كما لو شد الرحل إلى بلد أكثر علمًا أو أيسر مؤونة أو غير ذلك فهذا لا يقال: إنه شد الرحل تعبدًا للمكان بل يقال: إنه شد الرحل لهذا الغرض الآخر.
فمن فوائد الحديث: فضيلة هذه المساجد الثلاثة وجه ذلك: أنها هي التي أذن بشد الرحل إليها.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يشدُّ الرحل إلى المقابر لزيارتها؛ لأن هذا مكان يختص بالبقعة ولا شيء من البقع يخصص إلا هذه الثلاثة.
ومن فوائد الحديث: أن شد الرحل يختص بالمساجد المعينة الثلاثة وينبني على ذلك أننا لا نشدُّ الرحل إلى مسجد في مكة سوى مسجد الكعبة؛ لأن المسجد الحرام هو المسجد