على أن يكون أحدكم أميرًا، وهذا في الغالب من طبيعة الإنسان يحب أن يكون له سلطة على الناس سواء بحق أو بغير حق، الحرص على الإمارة ستكون ندامة يوم القيامة، لكن هذا اللفظ المطلق مقيد بما إذا لم يقم بحقها، فإن قام بحقها لم تكن ندامة بل كانت نعمة؛ لأن الذي يكون أميرًا ينفذ أحكام الله عز وجل في عباده لا شك أنه مأجور على هذا، والمأجور لا يمكن أن يندم أبدًا، لكن هذا فيما إذا لم يقم بالإمارة، أو يقال: هذا فيمن كان حريصًا على الإمارة بدون سبب شرعي؛ لأن الحريص على الإمارة بدون سبب شرعي إنما حرص ليكون له السلطة والسيطرة، والإنسان الذي يتولى أمور الناس من أجل أن يكون له السلطة والسيطرة في الغالب أنه يتبع الهوى ولا يرجع حتى لو بين له الحق، وحينئذ تكون ندامة. وقولنا:"بغير سبب شرعي" علم منه أنه لو كان لسبب شرعي فإنه لا بأس به، مثل: أن يكون القائم على هذه البلدة أميرا لا خير فيه بل فيه شر، فيأتي إنسان ويحرص على أن يكون هو الأمير من أجل أن يزيل هذا الشر ويحلّ محله الخير، فهنا نقول: الرجل لم يحرص على الإمارة لمجرد السُّلطة ولكن لإصلاح الخلق.
فهذه النصوص المطلقة يجب أن تقيد بالقاعدة العظيمة العريضة، وهي: أن هذه الشريعة مبنية على جلب المصالح ودفع المضار.
وقوله صلى الله عليه وسلم "يوم القيامة" أي: يوم يقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، وسمي بذلك لثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن الناس يقومون كلهم لرب العالمين: {يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر}[القمر: ٧]. ولا يكون خروجهم هذا في مهلة بل في لحظة، قال الله تعالى: {فإنما هي زجرة واحدة (١٣) فإذا هم بالساهرة} [النازعات: ١٣ - ١٤]، وقال:{إن كانت إلاَّ صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون}[يس: ٥٣]. صيحة واحدة يصاح بهم: اخرجوا فيخرجون، {ما خلقكم ولا بعثكم إلاَّ كنفس واحدة}[لقمان: ٢٨]. لأن الله إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون مهما كان ومهما كان من الصعوبة.
الأمر الثاني في سبب تسمية هذا اليوم يوم القيامة: أنه يقام فيه الأشهاد كما قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين امنوا في الحياوة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}[عاقر: ٥١]. والأشهاد منهم الرسل، ومنهم العلماء، ومنهم هذه الأمة، فإنها يومئذ تشهد على من سبقها، ومنها الجوارح تشهد على نفس الرجل أو المرأة بما عملوا، ومنها الأرض: {يومئذ تحدث أخبارهم (٤) بأن ربك أوحى لها} [الزلزلة: ٤ - ٥].
الأمر الثالث مما سمي يوم القيامة من أجله: أنه يقام فيه العدل كما قال تعالى: {ونضع