[ص: ٢٢]. كعادة الإنسان الذي يغلق بيته، فإذا بأناس يتسورون عليه الجدار؛ ألا يفزع؟ يفزع، لأنهم لا يدخلوا على الوجه السليم، {قالوا لا تخف}[ص: ٢٢]. يعني: لسنا سراقا ولا قاتلين، إنما نحن {خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا نشطط واهدنا إلى سواء الصراط}[ص: ٢٢]، ثم أدلى المدعي بحجته فقال:{إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزنى في الخطاب}[ص: ٢]، غلبني حتى أدركها ماذا قال داود -عليه السلام- قال:{لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجة}[ص: ٢٤]، فحكم له دون أن يسمع قولاً، وهذا لا شك أنه ليس الطريقة السوية، ولهذا عرف داود أن الله تعالى أختبره، قال تعالى:{وظن داود}[ص: ٢٤]. أي: أيقن؛ لأن الظن يأتي بمعنى اليقين كما في قوله تعالى:{الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم}[البقرة: ٤٦]. وكما في قوله تعالى:{وراء المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها -أي: أيقنوا ذلك- ولم يجدوا عنها مصرفاً}[الكهف: ٥٣]. {وظن داود إنما فتنة فاستغفر ربه وخر راكعاً وأباب فغفرنا له ذلك}[ص: ٣٥]. والنعجة هنا بمعنى: الشاة.
وأما القول بأنها زوجة أحد الجنود، وأن داود -عليه السلام- سعى يكيد ويمكز -والعياذ بالله- حتى يتزوجها، وأمر هذا الجندي أن يذهب للجهاد لعله يقتل فيخلفه داود عليها، فهذا كذب، هذا من اليهود، ولا يجوز لأحد نقله بين العامة، حتى وإن قال: إنه علم، اللهم إلا أن يشتهر بين العامة ويتحدث عنه كذباً فهو لا بأس به، لكن شيئاً لا يطرأ على بال الناس فيقف يتحدث ثم ينقضه هذا وإن كان جيداً، لكن لاحظوا أن الشيطان يلقي في قلب الإنسان شيئاً بما يحدث به وإن كان في الأصل كذباً.
على كل حال: هذه القصة كذب، ومن اعتقدها فقد أساء إلى داود -عليه الصلاة والسلام-، إنما الذي حصل من داود: أنه حكم بمجرد سماع الخصم دون أن يأخذ قول الآخر، وهذا واضح من القصة.
قد يقال: إن هناك خطأ آخر وهو كونه يدخل يتعبد لله والعبادة الخاصة منفعتها له ويدع الحكم بين الناس وهو مما يتعلق به مصالح عامة الناس؛ ولهذا سلط عليه الخصوم حتى تسوروا عليه المحراب، هذا أيضاً ربما يكون فيه شيء من الخطأ يضاف إلى الأول، وحينئذ حصل ما حصل من الفتنة، ولكن الله تعالى رفعها عن داود حينما خر راكعاً وأناب.
والظاهر: أن معنى راكعاً: خر ساجداً لله عز وجل ليتوب إلى الله فتاب الله عليه. هذه القصة إذا تصورها الإنسان على هذا الوجه عرف مدى قيمة الحديث الذي رواه علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أنك لا تقضي بين اثنين حتى تسمع قول الآخر».