والقرآن ظاهره يعارضه لقوله تعالى:{واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان}[البقرة: ٢٨٢]. ولم يقل: رجل ويمين، وعلى هذا فيكون غير مقبول لمعارضته القرآن، ولكن الصحيح أن الحديث صحيح السند والمتن وأنه يجب العمل به، وأن هذا القضاء موافق للقياس تماما؛ وذلك لأنه إذا شهد مع المدعي شاهد واحد قوى جانبه بلا شك لكن الشاهد الواحد لا يقوى على ثبوت الحكم، فأكد ذلك بيمين المدعي، واليمين إنما تكون في جانب أقوى المتداعيين ليست على المدعى عليه دائما، بل قد تكون في جانب المدعي إذا قوى جانبه، وهذا المدعي الذي أقام شاهدا قوي جانبه، فلما قوي جانبه بدعواه أكدت هذه القوة باليمين، كذلك المدعى عليه، فلو ادعى شخص على آخر بشيء وأنكره فإننا نحكم ببراءة المدعى عليه بيمينه؛ وذلك لأن جانبه أقوى؛ حيث إن الأصل عدن ثبوت ما ادعاه المدعي، فيكون هذا الحديث موافقا تماما للقياس.
وأما إذا أقام المدعي شاهدين فإننا نحكم له بذلك وإن لم يحلف؛ لأنه لا يحتاج إلى اليمين لما تم النصاب.
وخلاصة القول: أن هذا الحكم مطابق للأصول تماما، ووجه المطابقة أن المدعي لما أقام الشاهد قوى جانبه، والقياس أن اليمين تكون في جانب أقوى المتداعيين سواء كان هو المدعي أو المدعى عليه، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم اليمين على المنكر إذا لم يقم المدعي بينة لقوة جانبه بالأصل، فإن الأصل عدم صحة ما ادعى عليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان في القسامة في جانب المدعين؛ لأن جانبهم قوي بالعداوة التي كانت بينهم وبين المدعى عليهم.
والقسامة أن يدعي قوم على قبيلة أخرى أنهم قتلوا صاحبهم وبين القبيلتين عداوة، فهنا إذا حلف خمسون من المدعين على عين المدعى عليه حكم بأيمانه بدون أن يقيموا أدنى بينة.
فإذا قال قائل: كيف نجيب عن الآية؟
نقول: إن الآية ليست في الحكم، الآية في الاستشهاد، فالمطلوب من الإنسان إذا استشهد أن يستشهد برجلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، حتى لا يحتاج فيما بعد إلى اليمين، لأنه لو استشهد واحدا احتاج إلى أن يحلف معه ليثبت ما ادعاه، لكن إذا استشهد اثنين لم يحتج إلى اليمين، فالآية في الابتداء؛ أي: في الاستشهاد وليست في الأداء، أي: في أداء الشهادة، ولما انفكت الجهة انفك التعارض، فلم يكن بين الآية والحديث أي تعارض، لأن كل واحد منهما له جهة.
فالإنسان عند إثبات الحقوق نقول له: اختر أعلى المراتب، وهي: أن نستشهد رجلين فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، ألم تروا إلى الرهن إذا كان الإنسان في السفر ولم يجد كاتبا