حضر رجلان إلى القاضي، فقال أحدهما: إنني أطالب هذا الرجل بألف ريال، هذا مدع ماذا يعمل القاضي؟ يسأل المدعى عليه ويقول: أتقر بهذا؟ إن قال: نعم، انتهت القضية وحكم بإقراره، لكن هذا في الغالب لا يكون إلا حيلة لشيء ما، مثل أن يكون للمدعى عليه ديون لبعض الناس، فيريد أن يتفق مع صاحب له ويقول: أنا سأدعي عليك بدين وأقر به لأجل أن يزاحم الغرماء الآخرين، وإلا ليس من المعقول أن يحضر مدع ومدعى عليه ثم بمجرد ما يقول: أطالبه مائة درهم يقول: نعم، تفضل، هذا بعيد جدا، لكن ربما تكون حيلة، لكن على كل حال إذا أقر انتهت القضية، وحكم بالإقرار، وإن قال: لا، ليس بصادق، ولا حق له عندي، رجعنا للمدعي وقلنا: ألك بينة؟ إن قال: لا، رددنا إلى المدعى عليه، وقلنا: احلف أن فلانا ليس له حق عليك، فإذا حلف برئ وخلى سبيله، وإن أقام المدعي بينة بعد ذلك فهل تقبل؟ نقول: إن كان قد قال: لا أعلم لي بينة ثم أقامها فإنها تقبل؛ لأنه من الجائز أن تكون البينة شهدت وهو لا يعلم أو شهدت بإقرار المدعى عليه وهو لا يعلم بذلك أو كان نسيها.
المهم: أنه إذا نسي العلم بالبينة ثم أقامها بعد تقبل، لأنه لا منافاة بين نفي العلم وبين إقامة البينة، وأما إذا قال: ليس لي بينة ثم أقام بعد ذلك بينة فإنها لا تقبل، وعلل الفقهاء ذلك بأن إقامتها بعد نفيها تناقض فيكون كلامه الثاني مكذبا لكلامه الأول فلا يقبل، ولكن هذا القول متوجه فيما إذا كان المدعي يعرف الفرق بين قوله: لا أعلم، وقوله: ليس لي بينة، وغالب العامة لا يفرقون بين قولهم: لا أعلم لي بينة، وقولهم: ليس لي بينة، وكونه له بينة لا يعلمها يرد كثيرا إما أن يكون البينة تسمع لإقرار في عدم حضور المدعي أو ما أشبه ذلك.
وقوله:"اليمين على المدعى عليه" ظاهر الحديث أن ذلك في كل دعوى، بمعنى: أننا نوجه اليمين في كل مدعى عليه، سواء كان الذي ادعي به عليه من الأمور المالية أو التي يقصد بها المال أو من الأمور الدموية أو من الحقوق، فإن اليمين على المدعى عليه، إذا أبى وقال: لا أحلف، إما أن يأتي ببينة وإلا قضي عليه؛ لأنه قد يكون هذا الرجل يغير على الناس ويدعي عليهم ويحضرهم إلى القاضي ويهدم شرفهم ثم يقول الرجل: لا أحلف، قال العلماء: إذا لم يحلف قضي عليه، لأننا نقول له: لماذا تمتنع من اليمين أحلف إن كنت صادقا فإن اليمين لا يضرك وإن كنت كاذبا فعليك الإثم، وكونك تمتنع عن اليمين يدل على أن المدعي صادق وإلا فما يضرك؟ لا يضرك شيء.