الرب عز وجل دون مقام هذا البشر، لكن الاستعاذة بالله التجاء واعتصام بمن هو أقوى ممن يريدك بسوء فلذلك جاز، ولم يجز الاستشفاع بالله على خلقه.
وقوله:"من استعاذكم بالله فأعيذوه" هذا مطلق، ظاهره حتى لو استعاذ منا بالله من شيء واجب عليه مثل أن آتي إلى شخص أطلبه فأقول: يا فلان، أعطني حقي وهو قادر، قال: أعوذ بالله من: هل يجب أن نعيذه؟ لا؛ لأني أعلم أن الله لا يجيبه؛ لأن استعاذته بالله عن حق واجب عليه، يعني: إقرار الله عز وجل الظلم وهذا مستحيل، فعلى هذا إذا استعاذ بالله تعالى من شيء واجب عليه فإننا لا نجيبه؛ لأننا نعلم أن الله لا يعيذه عز وجل، إذ إن الله يقول:{إنه لا يفلح الظالمون}[الأنعام: ٢١]. ويقول:{والله لا يحب الظالمين}[آل عمران: ٥٧].
إذا استعاذ بالله من شخص في أمر مباح هل أعيذه أو لا؛ يعني: طلبت منه أن يعيرني شيئًا؟ فقال: أعوذ بالله منك، أعيذه لأنه استعاذ من شيء له أن يستعيذ بالله منه، فإن بعض الناس يلجئك ويضيق عليك في طلب إعارة شيء أو إعطاء مال أو غير ذلك فيريد أن يستعيذ بالله منك فأعذه، وقد وقع شيء فيه إشكال وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه ابنة ابن الجون فقالت: أعوذ بالله منك! فقال لها: «لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك»، وتركها مع أنها استعاذت من أمر كان واجبًا عليها وهو تمكين زوجها منها، لكن لكرم النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه أسقط حقه عليها وأعاذها، وإلا فلو أن أحدًا قالت له زوجته حين دعاها إلى فراشه: أعوذ بالله منك ماذا يعمل؟ كلما دنا منها قالت: أعوذ بالله منك؟ بماذا يجيبها؟ يقول: إن الله لا يعيذ الظالمين، ولا يلزمه أن يعيذها؛ لأنها استعاذت من حق واجب عليها، نعم لو كان مفرطًا هو في حقها ولا يعطيها حقها فلها أن نستعيذ بالله منه، وعليه أن يعيذها.
"ومن سألكم بالله فأعطوه"، أختلف المفسرون - الشرح - في معناها هل المعنى: من سألكم بشرع الله؛ أي: من سأل سؤالاً يستحقه في الشرع فأعطوه، أو من قال: أسألك بالله أن تعطيني كذا؟ فيها قولان، والقاعدة أن النص القرآني أو النبوي إذا احتمل معنيين لا ينافي أحدهما الآخر فإن الواجب حمله عليهما، فنقول: من سأل بالله؛ أي: من سأل بدين الله؛ أي: سأل سؤالاً مشروعًا فأعطوه، مثال ذلك رجل فقير أتى إلي وقال: أسألك أن تعطيني من الزكاة فأعطيه هذا أحق من فقير لم يسألني، لأن هذا سأل فصار مستحقًا للإعطاء بحاله وسؤاله، أما إذا علمنا أنه سال ما لا يستحق فلا أعطيه بناء على تفسير من سال بالله؛ أي: بشرع الله، فإذا جاء يسألني من الزكاة وأنا أعرف أنه غني لكنه سأل تكثرًا فلا أعطيه، هذا وجه، الوجه الثاني:"من سألكم بالله" أي: من قال: أسألك بالله أن تعطيني، فهل تعطيه؟ هذا أيضًا يحتاج إلى تفصيل، إذا سأل ما لا يحل له فلا تعطه، مثال ذلك: جاءك إنسان وقال: أسألك بالله أن تشتري لي دخان فهل تعطيه؟ هذا