رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال:«لا، هو حرام»، الضمير هنا يعود على البيع الذي هو موضع الحديث، أو يعود على الانتفاع بذلك بالاستصباح ودهن الجلود وطلي السفن؟ هذا أيضاً مما يشتبه في دلالة الحديث عليه؛ فمن العلماء من قال: يعود على البيع؛ لأن الصحابة أوردوا ذلك لعل النبي (صلى الله عليه وسلم) يجيز بيعها لهذا الغرض، ومن الناس من قال: إنه يعود على الانتفاع وأن شحوم الميتة لا تطلى بها السفن ولا تدهن بها الجلود ولا يستصبح بها الناس، والراجح: أنه يعود إلى البيع؛ لأنه هو محل الحديث، والرسول (صلى الله عليه وسلم) ما تحدث عن هذه المنافع، المهم: أنواع الاشتباه كثيرة. يقول:«فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»، «استبرأ»؛ أي: ابتغى البراءة لدينه ولعرضه، أما الدين فبينه الرسول (صلى الله عليه وسلم) كما سيأتي، وأما العرض؛ فلأن الإنسان إذا أتى المشتبهات فإن الناس يأكلون لحمه ويعرض نفسه للغيبة والسب وما أشبه ذلك. «ومن وقع في الشبهات وقع في الرحرام»، هل المحرم نفس المشتبه، أو أنه وقع في الحرام؟ يعني: صار وقوعه في المشتبه سبباً لوقوعه في الحرام؛ يعني: أنه إذا وقع في الشبهات فإنه يتوقع أن يقع في الحرام، هذا هو المراد، وليس المعنى: أن المشتبهات حرام، ولكن المشتبهات لاشك أن الورع تركها، أما اللزوم فلا يلزم إلا ما كان يقيناً، إذن من وقع في الشبهات أوشك أن يقع في الحرام، هذا معنى قوله:«وقع في الحرام»، مثل الرسول لذلك بقوله:«كالراعي يرعى حول الحمى»، «الراعي» أي: راعي الإبل، راعي الغنم، راعي البقر، راعي الظباء؛ أي راعٍ، «يرعى حول الحمى»، «الحمى» المكان الذي منع من الرعي فيه، وهذا يقع كثيراً من الأمراء أو الخلفاء، إما للمصالح العامة، وإما للمصالح الخاصة، مثلاً: هذه أرض مخصبة فيها العشب الكثير حماها أحد من الناس، بمعنى: أنه منع من الرعي فيها، ماذا تكون هذه الأرض؟ سيكون نباتها كثيراً؛ لأنه لا يرعى، وسيكون نضراً؛ لأنه ليس حوله غبار، إذا رعى الراعي حول هذا الحمى يوشك أن يقع فيه؛ لأن الغنم أو البقر أو الإبل إذا رأت هذا المكان النضر سوف ترتع فيه، إما أن تستغفل الراعي وإما أن تتمرد عليه ويعجز عنها، ولهذا قال:«كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه». ثم ضرب النبي (صلى الله عليه وسلم) مثلا تقريبياً فقال: «ألا وإن لكل ملك حمى»، وهذا إخبار عن الواقع وليس عن الشرع، إلا أن العلماء (سيأتي في الفوائد) ذكروا أنه يجوز لإمام المسلمين أن يحمى أرضاً لدواب المسلمين، كخيل الجهاد، وإبل الصدقة.