ويرجع فيما أصله الحل إلى الحل، فلا ينجس الماء والأرض والثوب بمجرد ظن النجاسة، وكذلك البدن إذا تحقق طهارته وشك: هل انتقضت بالحدث عند جمهور العلماء، خلافاً لمالك (رحمة الله)، إذا لم يكن قد دخل في الصلاة.
*تعليق الشيخ:
-مالك (رحمة الله) يفرق بين ما إذا شككت هل أحدثت وأنت تصلى، أو إذا شككت هل أحدثت وأنت لا تصلي، والصواب أنه لا فرق بين الحالين لأننا إذا أعملنا هذا الشك فلا فرق بين أن تكون في الصلاة أو خارج الصلاة؛ لأننا لو قلنا: إن هذا الشك يوجب الوضوء فلا فرق بين أن تكون في صلاة أو في غير صلاة فالصواب مع الجمهور، بمعنى: أن الإنسان إذا شك هل أحدث أم لا فبنى على الأصل وهو الطهارة حتى ولو حس بدبيب في ذكره، أو بريح في دبره مثلاً، ولم يتيقن فالأصل الطهارة.
*قال ابن رجب:
وقد صح عن النبي (صلى الله عليه وسلم): أنه شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال:«لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» وفي بعض الروايات: «في المسجد» بدل الصلاة. وهذا يعم حال الصلاة وغيرها، فإن وجد سبب قوي يغلب معه على الظن نجاسة ما أصله الطهارة مثل: أن يكون الثوب يلبسه كافر لا يتحرز من النجاسات، فهذا محل اشتباه، فمن العلماء من رخص فيه أخذا بالأصل، ومنهم من كرهه تنزيها، ومنهم من حرمه إذا قوى ظن النجاسة مثل: أن يكون الكافر ممن لا تباح ذبيحته أو يكون ملاقياً لعورته كالسراويل والقميص، وترجع هذه المسائل وشبهها إلى قاعدة تعارض الأصل والظاهر، فإن الأصل الطهارة والظاهر النجاسة. وقد تعارضت الأدلة في ذلك. فالقائلون بالطهارة يستدلون بأن الله أحل طعام أهل الكتاب، وطعامهم إنما يصنعونه بأيديهم في أوانيهم، وقد أجاب النبي (صلى الله عليه وسلم) دعوة يهودي، وكان هو وأصحابه يلبسون ويستعملون ما يجلب إليهم مما نسجه الكفار من الثياب والأواني، وكانوا في المغازي يقتسمون ما وقع لهم من الأوعية والثياب، ويستعملونها، وصح عنهم أنهم استعملوا الماء من مزادة مشركة.