للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

*تعليق الشيخ:

-اعتماده بمعنى: تعمده وهذا لاشك فيه أن المصيب واحد، ولا يمكن أن يكون المصيب اثنين أبداً، والدليل على هذا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قسم المجتهد إلى مخطئ ومصيب، وكيف يمكن أن يكون أحدهما يقول: هذا حرام باجتهاده، والثاني يقول: حلال باجتهاده، نقول: كلاهما مصيب! لأن هذا جمع بين النقيضين، وأما من قال: المجتهد مصيب ولو أخطأ في مسائل الفروع ومخطئ إذا أخطأ في مسائل الأصول، فهذا لا دليل عليه، فالمجتهد مصيب في اجتهاده، وقد يصيب حكم الله وقد لا يصيبه.

*قال ابن رجب:

وقوله (صلى الله عليه وسلم): «فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام»، قسم الناس في الأمور المشتبهة إلى قسمين، وهذا إنما هو بالنسبة إلى من هي مشتبهة عليه، وهو من لا يعلمها، فأما من كان عالماً بها، واتبع ما دله علمه عليها، فذلك قسم ثالث، لم يذكره لظهور حكمه، فإن هذا القسم أفضل الأقسام الثلاثة؛ لأنه علم حكم الله في هذه الأمور المشتبهة على الناس، واتبع علمه في ذلك. وأما من لم يعلم حكم الله فيه، فهم قسمان: أحدهما من يتقي هذه الشبهات، لاشتباهها عليه، فهذا قد استبرأ لدينه وعرضه. ومعنى «استبرأ»: طلب البراءة لدينه وعرضه من النقص والشين، والعرض: هو موضع المدح والذم من الإنسان، وما يحصل له بذكره بالجميل مدح، وبذكره بالقبيح قدح، وقد يكون ذلك تارة في نفس الإنسان، وتارة في سلفه، أو في أهله، فمن اتقى الأمور المشتبهة واجتنبها، فقد حصن عرضه من القدح والشين الداخل على من لا يجتنبها، وفي هذا دليل على أن من ارتكب الشبهات، فقد عرض نفسه للقدح فيه والطعن، كما قال بعض السلف: من عرض نفسه للتهم، فلا يلو منَّ من أساء به الظن. وفي روية للترمذي في هذا الحديث: «». والمعنى: أنه يتركها بهذا القصد وهو براءة دينه وعرضه من النقص، لا لغرض آخر فاسد من رياء ونحوه. وفيه دليل على أن طلب البراءة للعرض ممدوح كطلب البراءة للدين، ولهذا ورد: «أن ما وقى به المرء عرضه، فهو صدقة».

<<  <  ج: ص:  >  >>