وفي رواية في الصحيحين في هذا الحديث:«فمن ترك ما يشتبه عليه من الإثم، كان لما استبان أترك» يعني: أن من ترك الإثم مع اشتباهه عليه، وعدم تحققه، فهو أولى بتركه إذا استبان له أنه إثم، وهذا إذا كان تركه تحرزاً من الإثم، فأما من يقصد التصنع للناس، فإنه لا يترك إلا ما يظن أنه ممدوح عندهم تركه. القسم الثاني: من يقع في الشبهات مع كونها مشتبهة عنده، فأما من أتى شيئاً مما يظنه الناس شبهة، لعلمه بأنه حلال في نفس الأمر، فلا حرج عليه من الله في ذلك، لكن إذا خشي من طعن الناس عليه بذلك، كان تركها حينئذ لستبراء لعرضه، فيكون حسناً، وهذا كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) لمن رأياه واقفاً مع صفية: «إنها صفية بنت حيي». وخرج أنس إلى الجمعة، فرأى الناس قد وصلوا ورجعوا، فاستحيى، ودخل موضعاً لا يراه الناس فيه، وقال:«من لا يستحيي من الناس، لا يستحيي من الله». وخرجه الطبراني مرفوعاً، ولا يصح. وإن أتى ذلك لاعتقاده أنه حلال، إما باجتهاد سائغ، أو تقليد سائغ، وكان مخطئاً في اعتقاده، فحكمه حكم الذي قبله، فإن كان الاجتهاد ضعيفاً، أو التقليد غير سائغ، وإنما حمل عليه مجرد إتباع الهوى، فحكمه حكم من أتاه مع اشتباهه عليه، والذي يأتي الشبهات مع اشتباهها عليه، فقد أخبر عنه النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه وقع في الحرام.
*تعليق الشيخ:
-القسم الأول من يأتي مسألة مشتبهة عند الناس، لكنه يعلم أنها حلال فهذا جائز عند الله (عز وجل) ولا حرج عليه في ذلك، لكن إذا خاف من ألسن الناس فينبغي تجنب ذلك، والثاني من يعتقد أنه حلال لكن لا يعلم ذلك، فهو يعتقد أنه حلال إما باجتهاد سائغ وإما بتقليد عالم والمجتهد -كما تعلمون- يمكن أن يخطئ أو يصيب، بخلاف الذي يعلم أنها حلال، فهذا حكمه حكم الذي قبله بمعنى: أنه يجوز له عند الله (عز وجل) ولا إثم عليه لكن إذا خاف من ألسن الناس فالأولى تجنب ذلك أو يختفي وأما إذا كان الاجتهاد ضعيفاً أو التقليد غير سائغ، ولكن قلد إتباعه لهواه؛ لأنه وجد أن هذا القول أهون فهذا لا يحل له ذلك، لأنه يقع في الحرام؛ لقوله:«من وقع في الشبهات وقع في الحرام» وما أكثر الذين يسلكون هذا المسلك اليوم تجده إذا استفتى عالماً ولم تعجبه فتواه ذهب إلى عالم آخر وهو كان يعتقد أن العالم الأول هو عمدته