للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي «مسند» الإمام أحمد، عن أنس، عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه». والمراد باستقامته إيمانه: استقامة أعمال جوارحه، فإن أعمال الجوارح لا تستقيم إلا باستقامة القلب، ومعنى استقامة القلب: أن يكون ممتلئاً من محبة الله، ومحبة طاعته، وكراهة معصيته. قال الحسن لرجل: داو قلبك؛ فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم. يعني: أن مراده منهم ومطلوبه صلاح قلوبهم، فلا صلاح للقلوب حتى تستقر فيها معرفة الله وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته ورجاؤه والتوكل عليه، وتمتلئ من ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد، وهو معنى «لا إله إلا الله»، فلا صلاح للقلوب حتى يكون إلهها الذي تألهه وتعرفه وتحبه وتخشاه هو الله وحده لا شريك له، ولو كان في السماوات والأرض إله يؤله سوى الله، لفسدت بذلك السماوات والأرض، كما قال الله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢]. فعلم بذلك أنه لا صلاح للعالم العلوي والسفلي معاً حتى تكون حركات أهلها كلها لله، وحركات الجسد تابعة لحركة القلب وإرادته، فإن كانت حركته، وإرادته لله وحده، فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله، وإن كانت حركة القلب وإرادته لغير الله تعالى، فسد وفسدت حركات الجسد بحسب حركة القلب. وروى الليث عن مجاهد في قوله تعالى: {لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: ١٥١]. قال: لا تحبوا غيري.

*تعليق الشيخ:

-ومعلوم أن الإرادة والحركة تتبع المحبة، حتى إن ابن القيم في كتابه «روضة المحبين» قال: إن كل شيء يدل على المحبة لا يمكن للإنسان أن يفعل ما يؤمر ولا يجتنب ما ينهى إلا بمحبة الله (عز وجل)، فكل الإرادات تابعة للمحبة، وإذا كانت كذلك فإننا نقول: إذا حرك القلب نحو الله وأحب الله فلابد أن تصلح إرادته، ولو صلحت إرادته، صلحت جوارحه، وأما تمثيل المؤلف بأن القلب كالملك، فقد سبق لنا في شرح الحديث أن هذا أنقص مما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم)، لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: «إذا صلحت، صلح الجسد» وصلاح الملك قد لا يستلزم صلاح الرعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>