وقيد بعض العلماء ذلك بأن كان صاحبه الذي اغتابه قد علم بالغيبة فليتحلل منه وإن لم يعلم ووثق أنها لم تبلغه فالأولى الا يتحلل منه؛ لأنه ربما لو تحلل منه لأبى ولكن يستغفر الله كما جاء في الحديث كفارة من اغتبته "فاستغفر له" ويثني عليه بالخير في المجالس التي كان يغتابه فيها، لكن لا شك أن الذي تطمئن إليه النفس هو أن يذهب ويصارحه فإن هداه الله فهذا المطلوب وإن لم يسمح له فإذا علم الله من نية هذا التائب صدق فإن الله جل وعلا يتحمل عنه.
الرابع: وأن يعزم على ألا يعود أو الشرط ألا يعود؟
أن يعزم على ألا يعود؛ لأنك لو قلت: شرط ألا يعود ثم عاد مرة ثانية بطلت نوبته الأولى لكن إذا قلت: العزم على ألا يعود صحت التوبة، ثم إن عاد مرة ثانية احتاج إلى تجديد توبة للذنب الثاني، إذن إذا عزم على ألا يعود صحت التوبة وإن كان متردداً هل تقبل توبته؟
لا، لأنه لم يعزم على ألا يعود ولا بد أن يعزم على ألا يعود.
الخامس: وهو أمهما بعد الإخلاص أن تكون التوبة في وقت لا ترد فيه التوبة، والوقت الذي ترد فيه التوبة نوعان: خاص وعام، فالخاص حضور أجل كل إنسان كل من حضر أجله وتاب بعد حضور الأجل لم يقبل منه لقوله تعالى:{وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن}[النساء: ١٨] وانظر إلى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب قال: "قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله"، قد تنفع وقد لا تنفع ولقد غرق فرعون وأحسن بالهلاك ماذا قال لما أدركه الغرق قال:{آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين}[يونس: ٩٠]. فقيل له:{ءآلآن} يعني: الآن تسلم {وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين * فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية}[يونس: ٩١، ٩٢]. يعني: بدنك يظهر ويبرز لأن فرعون قد أرعب بني إسرائيل، وربما إذا لم يروه ويشاهدوه ربما يكون في نفوسهم أنه لعله نجا، أو لعله ينجو لكن إذا راوه ميتاً طابت نفوسهم؛ ولهذا قال: لتكون لمن خلفك آية، أما النوع الثاني من الوقت الذي ترد فيه التوبة فهو العام وذلك عند طلوع الشمس من مغربها هذه الشمس العظيمة تشرق من المشرق فتغرب من المغرب فإذا أذن الله تعالى في انقطاع التوبة خرجت من المغرب وحينئذٍ يؤمن كل إنسان ويتوب كل إنسان لكن يقول الله عز وجل:{يوم يأتي بعض آيات ربك} وهو طلوع الشمس من مغربها {لا ينفع نفساً إيماناً لم تكن آمن من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً}[الأنعام: ١٥٨]. إذن خير الخطائين التوابون أي: كثيروا الخطأ كثيروا التوبة، والتوبة عرفتم شروطها.