للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيانة ولهذا المكر ليس مذموماً ولا ممدوحاً، والخيانة مذمومة على كل حال، المكر إذا كان في موضعه فهو مدح، ولهذا أثبته الله لنفسه ولم يثبت الخيانة فقال: {ويمكرون ويمكر الله} [الأنفال: ٣٠]، وقال: {فقد خانوا الله من قبل فأمكن منه} [الأنفال: ٧١]. ولم يقل: فخانهم لأن الله لا يوصف بالخيانة، إذ إن الخيانة هي الخديعة في موضع الائتمان، والمكر هو الخديعة في غير موضع الائتمان.

ولهذا صار المكر في محله كمالاً، هذه علامات المنافق فيه علامة رابعة لم تذكر في هذا الحديث وهي: "إذا خاصم فجر" في هذا الحديث التحذير من هذه الخصال الثلاث الكذب في الحديث، وجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك من علامات النفاق محذراً أمته من ذلك، وظاهر الحديث أن الكذب محرم على أي صورة كانت فهو كذب، وقسم بعض العلماء الكذب إلى قسمين: كذب أبيض وكذب أسود ولا شك أن هذا التقسيم باطل، والصواب أن الكذب كله أسود، لكن ما يظن أنه كذب وليس بكذب هذا لا يكون كذباً كالتورية مثلاً التي حصلت لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- فإن هذا ليس بكذب في الواقع لكنه كذب صورة فيما يظنه السامع، وهو حقيقة ليس كذباً، يشمل الكذب هنا الكذب في الخصومة بأن يدعي الإنسان ما ليس له أو ينفي ما عليه، فإن هذا كذب، يشمل الكذب ليضحك به الناس، وما أكثر هذا بين الناس يأتي بقصة كذب ما لها أصل لكن من أجل أن يضحك الناس وقد جاء في الحديث "ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له"، واعلم أن الكذب يطلق في اللغة العربية على الخطأ، وإن لم يتعمده الإنسان، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كذب أبو السنابل"، أبو السنابل ابن بعكك مر على سبيعة الأسلمية وقد مات زوجها ونفست بعد موت زوجها بليال قصيرة، يعني: وضعت حملها فجعلت تتجمل للخطاب فمر بها أبو السنابل فنهاها عن ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>