واحد، وليس بشرط أن يكون بين اثنين، وسبق لنا أن الحسد عرفه بعض العلماء بأنه أن يتمنى زوال نعمة الله على غيره، وعرفه شيخ الإسلام رحمه الله بأنه كراهة ما أنعم الله به على غيره وهذا أعم وأقرب، "ولا تناجشوا" أي: لا ينجش بعضكم على بعض في البيع، والشراء والمناجشة فسرها العلماء بأنها: أن يزيد في السلعة -أي: في ثمنها- وهو لا يريد شراءها وإنما يريد مضرة المشتري أو منفعة البائع أو الأمرين جميعاً، أما الأول: فأن ينظر إلى الذي سامها فإذا هو من أعدائه سامها بمائة فقال هذا الرجل: أنا أشتريها بمائة وعشرة هذا نجش الإضرار بالمشتري، الصورة الثانية: صاحبه يريد أن يبيع شيئاً فعرضه في المزايدة فزاد في ثمنه وهو لا يريد شراءه لكن يريد منفعة البائع.
الصورة الثالثة: مركبة من الأمرين أن يكون السائم عدواً له والبائع صديقاً له فينجش من أجل الأمرين منفعة البائع، ومضرة المشتري، هناك شيء رابع ولكنه قليل الوقوع وهو أن يزيد في السلعة ليزداد الثمن له وذلك فيما إذا كان هو صاحب السلعة أو هو شريك فيها فتعرض للبيع في المزايدة ويزيد وهو صاحب السلعة من أجل منفعة نفسه، وإذا قيل: لماذا تزيد والسلعة لك؟ قال: إني موكل، ومعلوم أن الوكيل له أن يزيد وهو في قوله موكل كاذب، أو تكون السلعة مشتركة بينه وبين غيره له نصفها وللآخر نصفها، فيزيد من أجل زيادة سهمه أما لو كان يزيد في السلعة المشتركة لأنه يريد شراءها حقيقة فهذا لا بأس به، "ولا تباغضوا" أي لا يبغض بعضكم بعضاً، والغالب أن البغضاء متبادلة كالمحبة بمعنى أنك إذا كنت تبغض شخصاً فهو يبغضك، ولهذا من الأمثال المضروبة السائرة القلوب (شواهد) ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في رجز:
(وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه)
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة مغيث وبريرة قال لأصحابه:"ألا تعجبون من حب مغيث لبريرة وبغض بريرة لمغيث" بريرة أمة عتقت فصارت حرة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت الآن بالخيار إن شئت أن تبقي مع زوجك فهو زوجك وإن شئت أن تفسخي النكاح فالأمر إليك" فقالت: أريد فسخ النكاح ففسخ النبي صلى الله عليه وسلم النكاح فتأثر بذلك زوجها تأثراً شديداً حتى جعل يلحقها في أسواق المدينة يبكي من شدة محبته لها وهي رضي الله عنها تبغضه بغضاً شديداً ولم ترحمه وهو يلاحقها، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع إليها وكان النبي صلى الله عليه وسلم سمحاً حسن الأخلاق فشفع لهذا الرجل إلى امرأته قال:"ارجعي إليه" قالت: يا رسول الله: إن كنت تأمرني فسمعاً وطاعةً تقدم أمر الله ورسوله، وإن كانت تشير فلا حاجة لي فيه فقال:"بل أنا مشير" فقالت: لا حاجة لي فيه [المقصود من سياق هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ألا تعجبون من حب مغيث لبريرة وبغض