وهنا قال:«الحياء من الإيمان» من هنا للتبعيض، أي: بعض من كل، ثم اعلم أن الحياء يكون من المخلوق ويكون من الخالق، فالحياء من الخالق: أن تستحيي من الله أن يفقدك حيث أمرك، أو ان يراك حيث نهاك، وعلى هذا التفسير فإن الحياء يستلزم القيام بالمأمور واجتناب المحذور، أمرك الله عز وجل أن تزكي فلم تزك، استحي من الله نهاك أن تشرب الخمر فشربته. نقول. استحي من الله. كيف يراك الله حيث نهاك. وكيف يفقدك حيث أمرك! ! هذا الحياء من الله وهو يستلزم القيام بأوامر الله واجتاب نواهيه، أما الحياء من المخلوق فهو آن يتجنب الإنسان كل آمر يعاب عليه ويذم عليه. وهذا عائد الى المروءة، تجد بعض الناس لا يستحيي ولا يبالي ان يخرج على الناس بصفة مكروهة أو بصفة مرغوبة سواء حصل ذلك على وجه يخالف العادة أو على وجه لا يخالف العادة، حصل علن وجه تكون به الشهرة وعلى وجه لا تكون به الشهرة. يخرج مثلاً في أي هيئة تكون عليه لباسه، وفي أي حال من أحواله لا يبالي بالهيئة ولا بالأحوال! لكن العسر لا يمكن ان يأتي خصلة يذمه الناس عليها ويعيبونه بها.
ثم اعلم ان من الحياء، ما يظن أنه منه وليس كذلك، بعض الناس يستحي أن يسأل عما يجب السؤال عنه وهذا ليس حياة ولكنة خور، فالحياء من الحق خور وجبن وعدم قدرة على الانتفاع بذلك الحق، وبهذا قال الله تعالى:{فإذا طمعتم فانتشروا ولا مستئين لحديث إن ذلكم كان يؤدي النبي فيستحى منكم والله لا يستحى من الحق}[الأحزاب: ٥٣]. وقال تعالى:{وإن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضه}[البقرة: ٢٦]. وقالت: أم سليم - وقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عما يتعلق بطهارتها - يا رسول الله، ان الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من الغسل إذا احتلمت، فالحياء الذي يمنعك من قول الحق أو طلب الحق هذا نسميه خوراً وجنباً، ليس حياء، لا تستحي من الحق، لا تقل: أنا أستحي أن أسأل هذا السؤال؛ لأنني أخشى أن يكون سهلاً، فيقول الناس: هذا طالب علم ضعيف، أو أخشى أن يكون صعباً، فيقال: هذا متعنت، وهذا يريد الإعنات والإشقاق على المسئول، إذا كان الأمر لابد منه فلابد أن نسأل ولا نهتم.
إذن الحياء من الأيمان سواء مع الله أو مع الخلق، لكن هناك ما يظن انه حياء وليس بحياء، وهو الحياء من الحق، فإن هذا ليس حياء محموداً بل هو خور وجبن مذموم.