١٤٦٣ - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستبح، فاصنع ما شئت» أخرجه البخاري.
"إن مما"، "من" هنا للتبعيض و "ما" اسم موصول؛ أي: إن من الذي أدرك الناس، وقوله:"الناس" المراد به: أهل الجاهلية إلى وقت البعثة، هذه الكلمة العظيمة:"إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، وقوله:"من كلام النبوة الأولى"، "الأولى" مؤنث أول، فيكون ظاهر الحديث أن هذه الكلمة من أول النبوات، أي: أنها متوارثة من جميع الأنبياء: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، والأمر هنا للإباحة أو للتهديد؛ وذلك بناء على معنى قوله:"إذا لم تستح"، هل المعني: إذا لم يكن بك حياء فاصنع ما شئت، أو المعنى: إذا لم تأت فعلاً يستحيا منه فاصنع ما شئت؟ الحديث يحتمل المعنيين، المعنى الأول: أنه إذا لم يكن بك حياء فإنك سوف تصنع ما شئت ولا تبالي، المعنى الثاني: إذا أردت فعل شيء أو قول شيء لم يستحيا منه فافعله، فعلى الأول يكون الأمر هنا للتوبيخ، وإن شئت فقل: إنه أمر بمعنى الخبر؛ أي: إذا لم يكن بك حياء صنعت ما شئت، وعلى الثاني يكون الأمر للإباحة، يعي: إذا أردت ان تفعل فعلاً لا يستحيا منه فاصنعه ولا تبال، وعلى كل حال: فإنه يدل على فوائد هو والذي قبلة.
من فوائد الحديثين: أولاً: ان الإيمان له خصال متعددة، وجه ذلك: قوله: "الحياء من الإيمان"، و "من" للتبعيض.
ومن فوائد الحديث: الحث على الحياء. له من ما لم يكن خوراً أو جبناً.
ومن فوائد ذلك: أن الإيمان له أثار حميدة ومنها الحياء، فإن الحياء خلق محمود عنه كل الناس وهو من آثار الإيمان.
أما الحديث الثاني ففيه: أن الناس قد يتوارثون كلمة حق من النبوات السابقة. لقوله:"إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأول".
ومنها: أن الكلمات المتوارثة إذا كانت حقاً فإنه ينبغي العناية بها؛ لأن إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم إياها لا شك أنه من العناية بها.
ومن فوائد الحديث: ان الفعل إذا كان لا يستحيا منه فإنك تصنعه ولا تبالي، لكن هل هذا على إطلاقه أو يقال: هو مباح، ثم المباح قد يكون من الحسن أن يفعل، وقد يكون من الحسن ألا يفعل، فهو على حسب ما تقتضيه الحال؟ الثاني؛ لأن المباح ليس معناه أنه مطلق، بل قد يكون المباح واجباً، وقد يكون حراماً، وقد يكون مكروها، وقد يكون مستحثاً فهو على حسب ما يوصل إليه.