ومن فوائد الحديث: أن الذي لا يستحي - بناء على الوجه الثاني في المعنى - يصنع ما يشاء ولا يبالي بالناس، وهذا لا شك أنه ذم، فيستفاد منه: أنه ينبغي للإنسان مراعاة الناس وألا يفعل ما يستحيا منه بينهم، أرأيت مدّ الرجل في المجالس هل هو مما يستحيا منه؟ نعم، لاسيما في المجتمع المسلم، لو مد الإنسان وجله فإن الجالسين حوله سيقولون: إن هذا لا يستحي؛ لان الذي لا يستحيي يصنع ما شاء، رجل يكلم الناس وهو معرض عنهم! هذا أيضاً لا يستحيي، وهذا الثاني فيه نوع من الكبر، فالمهم: أن هذا لا يحتاج لأمثلة لوضوحه.
ومن فوائد الحديث: أن الأمر قد يأتي بمعنى الخبر على أحد الوجهين في تغير الحديث، وهو قوله:"فاصنع ما شئت"، والأمر يأتي بمعنى الخبر في اللغة العربية، وقوله تعالى:{وقال الذين كفروا للذين امنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطيكم}[العنكبوت: ١٢]. هذا ليس أمراً ولكنة خبر، أي: ونحن نحمل خطاياكم، إلا أنه خبر مؤكد حيث جاء بصيغة الأمر.
الترغيب فى القوة في الدين:
١٤٦٤ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان». أخرجة مسلم.
"المؤمن القوي" في إيمانه. وإنما اخترنا ذلك لئلا يقول قائل: إن المواد به: المؤمن القوي في بدنه وليس كذلك، بل الصحيح أن المواد في الحديث: المؤمن القوي في إيمانه، لأن الوصف يعود على ما سبق، وما سبق اسم مشتق وهو "المؤمن"، لو قال: الرجل القوي لربما نقول: إن المراد القوي في جسمه، كما يمكن أن نقول: القوي في الرجولة، لكن إذا قال: المؤمن فهو وصف، فيكون الوصف الذي وصف به هذا عائداً عليه، يعني: المؤمن القوي في إيمانه، أي: في إيمانه في قلبه، وكلمة قوي الإيمان في القلب كثرت الأعمال الصالحة: لأن الإيمان يحمل صاحبة على الهدي.
"خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف"، فذكر في المؤمن القوي خصلتين عظيمتين الأولى: أنه خير من ضده، والثاني: أنه أحب إلى الله عز وجل "من المؤمن الضعيف" يعني: في إيمانه، ولا شك أن الناس يختلفون في الإيمان قوة وضعفاً، وقوله:"وفي كل خير" هذه الجملة فيها احتراز؛ لأنه لما قال:"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" قد تهون قيمة