عليك نفقته, وإطعام المساكين في الكفارات ونحوها, فهو عام شامل لإطعام الطعام الواجب, وإطعام الطعام المستحب, وقوله: «الطعام» هل المراد بالطعام: الشراب, أو ما يؤكل؟ يشمل هذا وهذا؛ لأن ما يُشرب يسمى طعاماً, قال الله تعالى: {فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} [البقرة: ٢٤٩]. ولأن الشراب له طعم, لكن الأكل والشرب يختلفان, فالشرب يون في المائعات, والأكل في الجامدات.
وقوله: «وصلوا بالليل والناس نيام» يشمل الفريضة والنافلة, فمن الفريضة صلاة العشاء ولاسيما إذا أخرت عن أول الوقت, وصلاة الفجر أيضًا؛ ولهذا كانت هاتان الصلاتان أثل الصلوات على المنفقين؛ لأنهم ينامون ولا يقومون لهما, وقوله: «والناس نيام» من المراد بالناس؟ المراد بهم: الذين لا يصلون, سواء كانوا من المسلمين أو كانوا من الكافرين لأنه يوجد بعض المسلمين لا يصلون الصبح إلا إذا قام ولو بعد طلوع الشمس, وكذلك في العشاء ينامون عنها.
وقوله: «تدخلوا الجنة بسلام» «تدخلوا» أين النون؟ حذفت للجزم لأنها جواب الأمر, فقوله: "أفشوا" أمر, وما عطف عليه فهو أمر, فيكون "تدخلوا" جواباً للأمر, وجواب الأمر يكون مجزوماً, وهل هو مجزوم بصيغة الأمر أم بشرط مقدر؟ بعض النحويين يقول: إنه مجزوم بشرط مقدر, والتقدير: إن تفعلوا تدخلوا, وبعضهم يقول: إنه مجزوم بنفس الفعل فعل الطلب, والخلاف قريب من اللفظ؛ لأنهم متفقون على أن الفعل إذا وقع جواباً للطلب فهو مجزوم, وقوله: "الجنة" يعني: جنة الخلد التي وعد المتقون, وقوله: "بسلام" يحتمل أن يكون المعنى: أن تدخلوا الجنة أنتم سالمون ويحتمل أن يكون معنى بسلام: أنه يسلم عليكم, فتكون الباء للمصاحبة؛ لأن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب ويقولون: سلام عليكم بما صبرتم, وإذا كان اللفظ يحتمل معنيين لا منافاة بينهما فيحمل عليهما جميعاً, فهم يدخلون الجنة سالمين من كل سوء ومن كل عيب, حاضراً ومستقبلاً, وهم أيضاً يدخلون الجنة الملائكة يتلقونهم بالسلام.
في هذا الحديث فوائد منها: إثبات الأسباب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر إفشاء السلام, وصلة الأرحام, وإطعام الطعام, والصلاة بالليل, أربعة أسباب لدخول الجنة, فيكون في هذا إثبات الأسباب, وهو أمر معلوم بالشرع ومعلوم بالفطرة والحس ولا أحد ينكره, وقد اختلف الناس في الأسباب, فمنهم من أنكرها مطلقاً, ومنهم من أثبتها مطلقاً ومنهم من أثبتها وجعلها تابعة لمشيئة الله وهذا الأخير هو الحق, أما من أنكر الأسباب فإن قوله منافٍ للشرع وللفطرة وللحس, ولا حجة له إلا شبهة يلقيها الشيطان في قلبه يقول لو أنا أثبتنا أن الأسباب تؤثر لأثبتنا