قوله:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى"، إذا قال قائل: أين قال الله تعالى ذلك، ليس في القرآن أن الله قال ذلك، فكيف يصح أن يقول: قال الله؟ نقول: هذا مما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، ويسمى الحديث القدسي، وهو في مرتبة بين القرآن وبين الحديث النبوي.
يقول الله تعالى:"أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه"، مع تقييد المصاحبة والمقارنة هذا على وجه الإطلاق، فهي في اللغة للمصاحبة والمقارنة، ولكنها تختلف بحسب ما تضاف إليه؛ أي: أن مقتضى المعية يختلف بحسب ما تضاف إليه، وإلا فالمعنى الشامل العام هو المصاحبة والمقارنة، وقوله:"ما ذكرني"، "ما" هذه يسميها النحويون مصدرية ظرفية؛ أي: مدة دوام ذكره لي وتحركت بي شفتاه، هذا يشعر بأن المراد ذكر اللسان.
ففي هذا الحديث: إثبات رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه لقوله: "يقول الله تعالى"، وإثبات رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تحتاج أولاً إلى صحة السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من الأحاديث التي يدعى أنها قدسية أحاديث ضعيفة بل موضوعة، بخلاف القرآن، القرآن محفوظ لا يستطيع أحد أن يزيد فيه أو ينقص، لكن الأحاديث القدسية فيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها الضعيف، وفيها الموضوع، ويُعلم ذلك من كتب السنة.
ومن فوائد الحديث: فضيلة ذكر الله عز وجل، وجه ذلك: أن الله تعالى يكون مع الذاكر طال ذكره أم قصر لقوله: "ما ذكرني"، إن شئت أن تذكر الله دائماً فالله تعالى يذكرك دائماً، ولهذا جاء في القرآن الكريم: {يأيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون" [الأنفال: ٤٥]. فأمر الله تعالى بذكر الله كثيراً عند ملاقاة العدو؛ لأن هذا يستلزم أن يكون الله معه، ومن كان الله معه فهو غالب ولابد، ولهذا أمر بالثبات الذي هو نتيجة الصبر والله مع الصابرين، وأمر بذكر الله، والله تعالى مع الذاكرين، فصار مقتضى المعية في هذه الآية شيئين: الصبر الذي نتيجته الثبات: ذكر الله عز وجل، وكلاهما يقتضي النصر وأن يكون مع المقاتلين.
ومن فوائد الحديث: إثبات المعية الخاصة؛ لأن قوله: "أنا مع عبدي ما ذكرني" مفهومه: إذا لم يحصل الذكر فإن الله ليس معه، ولكن هذا في المعية الخاصة، فالمعية الخاصة لها أسباب توجدها وتنتفي بانتفائها؛ ولهذا لو سألنا سائل هل المعية صفة ذاتية لازمة لله أو هي صفة فعلية توجد بوجود أسبابها؟ نقول: في هذا تفصيل، أما المعية العامة وهي التي تقتضي العلم والإحاطة بالخلق سمعاً وبصراً وسلطاناً وتقديراً، وغير ذلك فهذه معية عامة وصفة ذاتية، وأما الخاصة التي لها سبب فهي معية خاصة وصفة فعلية؛ لأنها توجد بوجود أسبابها وتنتفي بانتفاء أسبابها.