فإذا قال قائل: كيف تصح المعية مع أن أهل السنة والجماعة يقولون: إن الله تعالى فوق كل شيء، فهو على العرش استوى؟
فالجواب عن ذلك أولاً: أن الله تعالى لا مثيل له في جميع الصفات، فإذا قلنا: إنه يتعذر أن يكون الإنسان في السطح وهو معك وأنت في الأسفل فإن ذلك في حق الله لا يتعذر؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته فيكون الله معك وهو عالٍ فوق كل شيء، ولا يلزم من معيته أن يكون مصاحباً لك في المكان، بل هذا متعذر غاية التعذر.
ثانياً: أن الله أثبت لنفسه أنه مع الخلق وأثبت لنفسه أنه فوق كل شيء، ولا منافاة بينهما، فيجب أن نثبت لله ما أثبته لنفسه وننفي ما نفاه عن نفسه، نثبت له العلو المطلق ونثبت له المعية، ونقول: إن الله ليس كمثله شيء، ولهذا قال شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية: وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكره من علوه وفوقيته؛ فإنه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو قريب في علوه علي في دنوه، فالله تعالى ليس كمثله شيء حتى نقول: إن حقيقة المعية تنافي حقيقة العلو.
الوجه الثاني: أنه لا منافاة بين العلو والمعية حتى في حق المخلوق، وقد ضرب شيخ الإسلام رحمه الله مثلاً لذلك في العقيدة الواسطية -وهي من أكثر كتب العقيدة بركة- قال: القمر آية من آيات الله مخلوق من مخلوقاته وأين موضعه في السماء والناس يقولون: هو معنا، يقول المسافر: ما زلت أسير والقمر معي حتى غاب، فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق بأن يكون عالياً وأن يكون مع الإنسان حقيقة فذلك في حق الخالق من باب أولى، وعلى هذا التقرير الذي ذكره الشيخ رحمه الله يطمئن الإنسان ويسلم من اعتراض أهل التعطيل الذين أولوا الصفات ثم احتجوا علينا بتأويل المعية، نقول: نحن لا نؤولها، نقول: هي حق على حقيقها، ولا منافاة بين كون الله معنا وهو في السماء، أما أن نقول كما قالت الجهمية: إن الله في الأرض؛ فهذا نرى أنه كفر، وأن من قاله فهو مباح الدم ومباح المال؛ لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين- يعني: إجماع سلف الأمة- ومخالف للعقل، وكيف يصح أن يكون الله عز وجل معنا في أمكنتنا أيزيد بزيادة الأمكنة وينقص بنقصها، أيكون مع الإنسان في الحش والأماكن القذرة، أيكون في أذن الكلاب والخنازير، نسأل الله العافية، هذا قول منكر من أعظم ما يكون، وقد صرح بعض السلف أنه من قال ذلك فهو كافر وهذا هو الحق إلا أن يكون جاهلاً لم يبلغه الحق، فهذا قد يعذر بجهله، لكن بعد أن يتبين له الحق فإن:{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيراً}[النساء: ١١٥]. على هذا القول أنت الآن في المسجد أين الله؟ في المسجد، ذهبت إلى السوق في السوق، في