البيت في البيت، في الغرفة في الغرفة، في الحجرة أسفل في الحجرة، في الحمام في الحمام، على قولهم في كل مكان، نسأل الله العافية، من يقول هذا يلزم منه إما التعدد وإما التجزئة، إما أن يكون الله ملايين الملايين، وإما أن يكون متجزئاً بعضه هنا وبعضه هناك، فعلى كل حال: نحن نقول: المعية الحقيقية لا تنافي العلو، وقد ذكرنا أن الله أثبت لنفسه هذا وهذا فالواجب إثباته.
ثانياً: أن الله لا مثيل له، فلو قدر أن العلو والمعية متناقضان في حق المخلوق فهما ممكنان في حق الخالق.
الوجه الثالث: أنه لا تناقض بينهما في الواقع، فقد يكون الشيء عالياً وهو معنا كما ذكرنا لكم كلام شيخ الإسلام رحمه الله، لكن قال: إنه يصان عن الظنون الكاذبة، من الظنون الكاذبة ما ذهب إليه هؤلاء الجهمية الحلولية الذين يقولون: إن الله معنا في كل مكان، هذا ظن كاذب يصان الله عنه، ويصان كلامه عن هذا المعنى.
إذن المعية تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة، العامة: هي الشاملة لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، ومنها قول الله -تبارك وتعالى-: {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم}[المجادلة: ٧]. {من نجوى ثلاثةٍ} هذه نكرة في سياق النفي تفيد العموم: أي أي نجوى أي: متناجين {ثلاثةٍ إلا هو رابعهم ولا خمسةٍ إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا}[المجادلة: ٧]. كل الخلق هذه معية عامة، وقال تعالى:{هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم}[الحديد: ٤]. لكن هذه تقتضي الإحاطة بالخلق علماً وقدرة وسمعاً وبصراً وسلطاناً وغير ذلك من مقتضيات الربوبية، ولا فيها نصر ولا تأييد أحد.
القسم الثاني: خاصة، هذه الخاصة: خاصة بوصف، وخاصة بشخص، الخاصة بالوصف مثل:{إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} من هم؟ كل من اتصف بالتقوى والإحسان فالله معه جعلني الله وإياكم منهم، {واصبروا إن الله مع الصابرين}[الأنفال: ٤٦]. والأسئلة على هذا كثيرة هذه خاصة بوصف، خاص بشخص وهي أخص من الأولى، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه:{لا تحزن إن الله معنا}[التوبة: ٤٠]. هذه ليست عامة لكل مؤمن، بل هي خاصة بهذين الرجلين نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم والصديق أبو بكر رضي الله عنه هذه خاصة بشخص، وكقوله تعالى لموسى وهارون:{لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى}[طه: ٤٦]. الخطاب لمن؟ لموسى وهارون، إذن هو خاص بشخص، ولا شك أن الإنسان إذا شعر أن الله معه فسوف ينشط على العمل ويقوى ويقدم حيث أمر بالإقدام، ويحجم حيث أمر بالإحجام.