أعترف، "لك أي: لله عز وجل، "بنعمتك علي"، وقوله: "أبوء لك" أبلغ من قوله: "أبوء بنعمتك"؛ لأن هذا خصيص وتنصيص على الشكر لله عز وجل والاعتراف بنعمه، "وأبوء بذنبي" أعترف لك بذنبي، و"ذنب" هنا مصدر مضاف، فيكون عاماً لكل الذنوب، والاعتراف بالذنب يعني: سؤال المغفرة؛ ولهذا قال: "فاغفر لي لا يغفر الذنوب إلا أنت"، "فاغفر لي": أي اعف عن عقوبة واستر علي؛ لأن المغفرة مأخوذة من المغفر وهو متضمن لشيئين: الستر والوقاية، "فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، هذا إقرار واعتراف بأن الخلق مهما اجتمعوا على أن يغفروا ذنباً واحداً ما استطاعوا؛ لأن الأمر إلى الله فلا يغفر الذنوب إلا الله، وهذا كقوله تعالى:{والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله}[آل عمران: ١٣٥]. أي: لا أحد يغفرها إلا الله عز وجل.
ففي هذا الحديث فوائد: منها: فضيلة هذه الصيغة من الاستغفار، من أين تؤخذ؟ من قوله: "سيد الاستغفار".
ومنها: أن صيغ الاستغفار تختلف فبعضها أشرف من بعض؛ وذلك لأنها لو كانت سواء لم يكن هناك سيد ومسود ولكنها تختلف.
ومنها: بيان وجهة هذه الصيغة هي سيد الاستغفار؛ لأنها تتضمن أشياء كثيرة أوجبت أن تكون هذه الصيغ سيد الاستغفار.
ومنها: الإقرار بربوبية الله عز وجل في قوله: "اللهم أنت ربي".
ومنها: أن صيغة "اللهم" أفضل من صيغة "يا الله" التي يدندن بها المطوفون الذين يطوفون بالكعبة يغرون الناس، حتى إنك تسمع أنهم يقولون: اللهم اغفر لي يا الله، ارحمني يا الله، اللهم ارزقني يا الله، هذه صيغ بدعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، و"اللهم" خير من كلمة "يا الله"، ولا أعلم بأنها وردت بهذا القدر الذي يقوله هؤلاء المطوفون.
ومن فوائد الحديث: الإقرار بأنه لا إله إلا الله، وهنا نقول: الإقرار بتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية والإقرار بتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، يعني: أن من أقر بتوحيد الألوهية فقد أقر بتوحيد الربوبية ضمناً؛ لأنه لن يعبد ولن يتآله إلا إلى ربه، وأما من أقر بالربوبية ولم يقر بالألوهية فإنه متناقض؛ لأن إقراره بالربوبية يستلزم أن يقر بالألوهية، ولهذا يحتج الله دائماً على أولئك الذين ينكرون توحيد الألوهية بأنهم يقرون بتوحيد الربوبية، ويقول: كيف تقرون بأن الله هو الرب وأنه المدبر لجميع الأمور ثم تصرفون عن الحق مع ظهوره وبيانه؟ !