للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشهد أنك أنت الله"، الباء هنا للمصاحبة؛ يعني: أسألك سؤالا مصحوبا بهذه الشهادة العظيمة، "بأني أشهد" أي: ناطقا لسانا موقنا بقلبي، "بأنك أنت الله لا إله إلا أنت وهذا شهادة له بالألوهية وانفراده بها بقول: "لا إله إلا أنت"، "الأحد" يعني: الذي لا نظير له، بل هو متوحد في الكمال والجمال والعظمة والإحسان، وغير ذلك، "الصمد" أجمع ما قيل في معناه: أنه الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته، فالذين فسروه بأنه السيد الكامل في سؤدده، الكامل في حلمه، الكامل في علمه ... إلخ، هذا داخل في قولنا: الكامل في صفاته، وتفسير بعضهم إياه بأن الصمد عليه الخلائق في حوائجها داخل في قولنا: الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته، فعليه نقول: الصمد هو الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته، ومن ذلك استغناؤه - تبارك وتعالى - عن الأكل والشرب وغير ذلك.

"الأحد" قلنا: المتفرد بكماله وجلاله وكذلك في ذاته، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن ذات الله تعالى تخالف كل ذوات المخلوقين، ولا يمكن أن تصور يعني: تخالف الجن والإنس، والسماء والنجوم؛ لأنه لا نظير له، فهذه الذات العلية مخالفة لجميع الذوات؛ لأنه الله تعالى أوحد متوحد في كماله وجلاله وصفاته، "الصمد": الذي لم يلد ولم يولد، لم يلد: لكماله؛ لأنه مستغن عن الولد، والحيوان ناقص يكمل في الولد من وجه، ناقص يستمر بقاء النوع بماذا؟ بالولد، الرب عز وجل غني عن هذا، فهو لم يلد، وقد أنكر الله ذلك بأدلة عقلية، قال: } أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء {] الأنعام: ١٠١ [فالخالق لا يحتاج أن يتولد منه شيء أو يولد منه شيء، ولم يولد؛ لأنه عز وجل هو الخالق وما سواه مخلوق؛ ولأنه الأول الذي ليس قلبه شيء؛ ولأنه لو كان مولودا لافتقر إلى الوالد، وكل هذا منتف في حق الله؛ فلهذا انتفت عنه الولادة.

فإن قال قائل: الوالد سابق للمولود، لماذا يدع له المولود قبل الوالد.

نقول: نعم؛ لأنه ادعي أن الله له ولد ولمن يدع أحد أن الله له والد، فقدم ما أدعاه المبطلون في حقه، قدم نفيه اهتماما به وردا لقول هؤلاء، فمن الذين قال إن لله ولد؟ النصارى واليهود والمشركون، النصارى قالوا: المسيح ابن الله، واليهود قالوا: عزير ابن الله، والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله، ولم يكن له كفواً أحد، "كفوا" مكافئا، و "أحد" هذه اسم "يكن" مؤخر؛ يعني: لم يكن لله أحد يكافؤه أبداً لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أسمائه ول في أفعاله.

هذا الدعاء تضمن الإقرار بأنواع الربوبية بل بأنواع التوحيد: "أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت" هذا الألوهية، "الأحد الصمد" الربوبية؛ لأننا قلنا: إن الصمد هو الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع المخلوقات، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، هذه الأسماء

<<  <  ج: ص:  >  >>