ثبتت به السنة, لكن هذا قد تحول من نسك مفضول إلى نسك أفضل ولا إشكال فيه؛ لأن تحول القارن إلى متمتع أو المفرد إلى متمع لا إشكال فيه, وهذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدي.
لكن الإشكال أن ينتقل من تمتع إلى قران, فنقول: عند الضرورة لا شك في جوازه, وذلك فيما إذا حاضت المرأة وتعرف أنها لن تطهر قبل الوقوف بعرفة, ومن ذلك لو خاف الإنسان فوت الوقوف بأن جاء متأخرًا وأحرم بالعمرة ثم خاف أن يفوته الحج فإنه هنا يدخل الحج على العمرة, فيكون قارنًا.
لكن السؤال هل يجوز ذلك في حال السعة؛ بمعنى: أن الإنسان يدخل الحج على العمرة مع سعة الوقت؟ هذا محل نظر, ولولا أن بعضهم حكى الإجماع في الجواز لقلنا بعدم الجواز, فإن كان أحد من العلماء يقول بأنه لا يجوز إدخال الحج على العمرة إلا عند الضرورة الشرعية أو الحسية؛ فهذا القول أقرب للصواب بلا شك, ووجه ذلك: أنه انتقال من فاضل إلى مفضول, والأعمال الشرعية إذا كانت واجبة لا يمكن أن ينتقل من فاضل إلى مفضول أبدًا, بخلاف الانتقال من المفضول إلى الفاضل.
ومن فوائد الحديث: أن القارن فعله كفعله المفرد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها أن تطوف مرتين, وأن تسعى مرتين, بل قال: «افعلي ما يفعل الحاج» , وهذا القول هو الراجح, بمعنى: أن القارن كالمفرد سواء في أفعال الحج, فلا يلزمه طوافان وسعيان, لماذا؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دخلت العمرة في الحج» , ولقوله لعائشة: «طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك» أي: يكفيك لحجك وعمرتك. فالقارن والمفرد سواء في الأفعال, لكنهما يختلفان من جهة أن القارن يحصل له نسكان, والمفرد لا يحصل له إلا نسك, وأن القارن عليه هدي, والمفرد ليس عليه هدي.
وهل يجوز إدخال العمرة على الحج ليصير قارنًا بمعنى: أن الرجل أحرم بالرجل, ثم أدخل العمرة عليه؟ هذا فيه خلاف, فمن العلماء من يقول: لا بأس بإدخال العمرة على الحج, ومنهم من قال: لا يجوز. والصحيح جوازه؛ لأن هذا هو ظاهر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أحرم بالحج أولًا, ولقول عائشة رضي الله عنها وهي تقسم الناس لإحرامهم وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج, ثم قيل له: قل عمرة في حجة. وهذا يعني: أنه أدخل العمرة على الحج, وهو من ناحية القياس أن يقال: أي فرق بين أن تدخل الحج على العمرة, أو العمرة على الحج.