وقولها: «بعد نفاسها أربعين يومًا» المراد «بعد نفاسها» يعني: بعد خروج الولد, وأما الدم الذي يسبق الولادة مع الطلق فهذا لا يحسب, وقولها: «تقعد أربعين يومًا» من المعلوم أنها لو طهرت قبل ذلك وجبت عليها الصلاة, فيكون معنى الحديث: أن أقصى مدة للنفاس هي: أربعون يومًا وليس أدنى مدة؛ لأنه لا حد لأقله, إذ إنه قد تبقى المرأة عشرة أيام أو عشرين يومًا أو خمسة أيام أو لا يخرج معها دم إطلاقًا يخرج معها مياه دون الدماء, فالذي يخرج منها مياه دون الدماء فليس عليها نفاس, والذي يخرج منها الدم ويبقى يومًا أو يومين نقول: مدة نفاسها هذه المدة قلت أو كثرت, وهذا هو الذي عليه فقهاء الحنابلة - رحمهم الله - أن أكثر مدة النفاس أربعون يومًا.
ولكن القول الثاني في هذه المسألة: أن أكثره ستون يومًا, وهذا مذهب الشافعي صرح به الشافعية في كتبهم, وقالوا: إن هذا موجود كثيرًا وليس بنادر حتى نقول: إن النادر لا حكم له, وهذا هو الراجح عندي يعني: أن أكثره ستون يومًا إذا كان مستمرًا على طريقة واحدة, وعبر شيخ الإسلام رحمه الله في الاختيارات أنه ربما يكون ستين أو سبعين يومًا أيضًا ما دام الدم مطردًا لم يتغير بوصف ولا رائحة ولا غيرهما, فإنه وإن بقي سبعين يومًا لكن نقول: لعل الستين أقرب الأقوال.
فإن زاد على الستين فماذا نصنع؟
نقول: إذا زاد على الستين فما وافق العادة فهو حيض, وما لم يوافق العادة فهو دم فساد تغتسل وتصلي وتحل للزوج, وقولها: «لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس»؛ لأن النفاس كالحيض إلا أنه يخالفه في أشياء:
أولًا: أنه لا يحصل به البلوغ, والحيض يحصل به البلوغ.
فإن قلتم: كيف لا يحصل به البلوغ وهي قد حملت؟ قلنا: لأن بلوغها حصل بالإنزال السابق للحمل؛ إذ لا تحمل إلا بإنزال, فيكون النفاس علامة على بلوغ سابق بخلاف الحيض.
ثانيًا: أنه لا يحتسب به مدة الإيلاء, بمعنى: أن الرجل لو آلى من امرأته ألا يجامعها أكثر من أربعة أشهر فإن مدة النفاس لا تحسب ومدة الحياض تحسب, والفرق أن الحيض معتاد كل شهر, فهو داخل في المدة أربعة أشهر, والنفاس لا يتكرر كل شهر, بل هو نادر بالنسبة لأربعة أشهر.
ثالثًا: العدة فإنه لا يحسب به - أي: بالنفاس -؛ لأنه إن كانت المفارقة قبل الوضع انتهت العدة بالوضع, وإن كانت بعده فلابد من ثلاث حيض ولا يحسب النفاس.
وبناء على هذا نقول: إن القول الصحيح الذي لا تدل السنة على خلافه أنه يجوز للرجل