في هذا الكتاب تصرف أحيانًا يكون مخلًا؛ حيث يحذف من الحديث ما يتوقف فهم بقيته على وجده, وهو نفسه رحمه الله ذكر في النخبة أنه لا يجوز حذف شيء من الخبر وللباقي فيه تعلق, لكنه لا يحذف شيئًا لا يتم المعنى إلا به, إلا أنه يحذف شيئًا وجوده خيرًا من حذفه طلبًا للاختصار؛ لأنه ألف هذا الكتاب من أجل أن يحفظ عن ظهر قلب, قال: «تقول الله أكبر ... فذكر الأذان» وطوى ذكره رحمه الله لأنه معلوم.
«الله أكبر» هذه جملة اسمية حذف منها المتعلق بقوله: أكبر, أصلها: أكبر من كل شيء, ولكنه حذف المتعلق من أجل إرادة العموم, يعني: أكبر أي: له الكبرياء المطلق بدون قيد, لو قلت: أكبر من كل شيء قد تكون الدلالة واحدة, لكنه يضعف العموم, حينما نقول: من كل شيء أكبر, يعني: له الكبرياء مطلقًا, الله أكبر الثانية التأكيد, الثالثة كذلك, الرابعة كذلك, فتكون الثلاث توكيدًا للأولى, هذا ما قد يتبادر إلى الذهن, ويظن الظان أن هذا من باب التوكيد اللفظي كقولك للرجل: قم قم قم يا رجل, تعيد عليه الأمر تريد التوكيد, لكن الذي يظهر أنها جمل مستأنفة كل جملة منفصلة عن الأخرى, يعني: بمعنى أنه لابد من وجود الثانية والثالثة والرابعة, هذا هو الظاهر, فيكون هذا من باب التقرير - أي: تقرير كبرياء الله عز وجل في القلب - لأن المؤكد يجوز حذفه إذ لم يذكر إلا فضله, لكن هذا الحديث لابد فيه من وجود كل جملة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر.
بعد هذا التكبير والتعظيم لله عز وجل نقول: «أشهد أن لا إله إلا الله» , والحمد لله كلكم يعرف معنى (لا إله إلا الله) أي: لا معبود حق إلا الله, حق أولى من كلمة بحق؛ لأنك إذا قلت: لا معبود بحق, احتجت إلى تقدير آخر لا معبود كائن بحق أو واقع بحق, لكن إذا قلت: لا معبود حق إلا الله نقص المحذوف, يعني: لم تحتج إلى تقدير شيء؛ هذا من وجه, ومن جهة أخرى: يكون مطابقًُا لقول الله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل} [لقمان: ٣٠]. إذن التقدير: لا معبود حق إلا الله, أما معبود باطل فموجود, قال الله - تبارك وتعالى -: {ولا تجعل مع الله إلهًا آخر} [الإسراء: ٣٩]. وقال تعالى: {فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب} [هود: ١٠١]. لكن كل من سوى الله فهو إله اسمًا وليس حقًا, قال الله تعالى: {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} [يوسف: ٤٠].
وقال تعالى: {أفرأيتم اللات والعزى (١٩) ومناة الثالثة الأخرى (٢٠) ألكم الذكر وله الأنثى (٢١) تلك