يحتمل أن يقال: إن «أل» التي في الصلاة للعهد الحضوري, أي: على الصلاة الحاضرة, ويحتمل أن يقال: إن «أل» للعموم؛ أي: أقبل على الصلاة, ويكون أول ما يدخل فيها: الصلاة الحاضرة, ولعل هذا أقرب أن نجعله عامًا, يعني: أقبل على الصلاة فإنها خير موضوع.
«حي على الفلاح» «الفلاح» كلمة جامعة تتضمن النجاة من كل مكروه, والفوز بكل مطلوب, ومناسبة ذكر الفلاح هنا بعد ذكر الصلاة ظاهرة جدًا كأنه يقول: «حي على الصلاة؛ لأنه بها الفلاح»؛ فالصلاة كلها فلاح, كلها خير؛ ولهذا كانت مما يستعان به على المصائب كما قال الله عز وجل: {واستعينوا بالصبر والصلاة} [البقرة: ٤٥]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
أما «الله أكبر الله أكبر» فهي كالجمل الأولى, و «لا إله إلا الله» سبق معناها هذا هو الأذان, فهو ذكر إعلام بكبرياء الله عز وجل, إعلام بالتوحيد, إعلام بالرسالة, دعوة إلى الصلاة, دعوة إلى الفلاح, وبهذا نعرف فضائل الإسلام, في الأمم السابقة لا يوجد إلا نواقيس, وأبواق, ونيران, وربما يكون علامات أخرى كالصفير وغيره, لكن الدين الإسلامي - ولله الحمد - التعليمات التي تكون له لها هذه المزية العظيمة: ذكر, وتوحيد, وشهادة في الحق.
وكما يقول: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنها لرؤية حق» هذا فيه حذف, ويسمى إيجازًا بالحذف, يعني: أتيته فأخبرته, فقال: «إنها لرؤيا حق» , وهذا من الإيجاز بالحذف, إنها - أي: الرؤيا - التي قصصتها علي لرؤيا حق, أي: صدق وليست رؤى باطلة, ثم أمره أن يذهب إلى بلال من أجل أن يعلمه بالأذان؛ لأنه أندى صوتًا منه.
في هذا الحديث فوائد, منها: هداية الله - تبارك وتعالى - لهذه الأمة للحق؛ حيث رفضوا الاقتراحات التي يعلم بها للصلاة حتى هدوا إلى هذا الأمر الذي ثبت بهذه الرؤيا.
ومنها: العمل بالرؤيا, وأن الشرع إذا شهد للرؤيا بالصدق فإنه يحكم بها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إنها لرؤيا حق» , وإلا فإن الرؤيا لا يثبت بها الشرع إلا إذا أقرها الشرع, والرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة؛ ولهذا كان أول ما بعث الرسول - عليه الصلاة والسلام - كان يرى الرؤيا في المنام فتكون مثل فلق الصبح, وأول ما بدئ به الوحي على هذا الوجه في ربيع الأول, وبقي ربيع الأول والثاني وجمادى الأولى والثانية, ورجب, وشعبان ستة