يعني: في الغالب -, وإلا فقد يسمعها من كان خارجًا فلذلك صارت وترًا وصارت تحدر, ولا يترسل فيها, وصارت أخفض صوتًا من الأذان, ودعونا من حالنا الحاضرة, حالنا الحاضرة الآن يؤذن الناس في المنابر ويقيمون كذلك.
إذن نأخذ فائدة: وهي مراعاة الحال في التشريع, وهذه القاعدة لها فروع كثيرة لما حرمت الخمر, وكان الناس قد ألفوها, هل حرمت عليهم جزمًا من أول الأمر؟ لا, ولكنها بالتدريج, كذلك أيضًا في الصلاة أول ما فرضت كانت ركعتين في الحضر وفي السفر, ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة زيد في صلاة الحضر الظهر صارت أربعًا, والعصر والعشاء, وإذا تأملت وجدت أمثلة كثيرة لهذا, بل لو قلنا: كل الشرائع فيها مراعاة كما قال الله عز وجل: {لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} [المائدة: ٤٨].
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي الإيضاح فيما إذا حصل اشتباه ولو من بعيد؛ لقوله: «يوتر الإقامة إلا الإقامة» يعني: قد قامت الصلاة؛ لأننا لو أخذنا بالظاهر «إلا الإقامة» لكان يظن الظان أن تناقض, ولكنه بين بأن المراد: قد قامت الصلاة. هذه الفوائد الفقهية.
الفوائد الحديثية: أنه إذا اختلف الشيخان البخاري ومسلم في كلمة, إذا كان المعنى واحدًا فلا حاجة أن ننص على الاختلاف, لاسيما على القول الراجح بجواز رواية الحديث بالمعنى, وإذا كان بزيادة أو نقص فلابد أن يتبين لئلا يظن السامع أو القارئ أن هذا لفظهما جميعًا؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: «ولم يذكر مسلم الاستثناء».
ومن فوائد هذا الحديث: الفرق بين «أمر» , و «أمر النبي»؛ لأن الأول مبني لما لم يسم فاعله, ولولا علمنا بحال الصحابة وبأن الآمر والناهي عندهم هو الرسول لقلنا: إن «أمر» مبني لما لم يسم فاعله, فلا ندري من الذي أمر بلالًا أهو الرسول أو أبو بكر, أما إذا جاء أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بلالًا صار الأمر واضحًا؛ لأنه بني لما سمي فاعله.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي أن يختار للأذان من هو أندى صوتًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اختار بلالًا لأنه كذلك, فينبغي أن يكون المؤذن ندي الصوت - يعني: رفيع الصوت بنداوة -؛ لأن بعض الناس يكون رفيع الصوت لكن تجد صوته دقيقًا جدًا, لكن يكون بنداوة, بعض الناس صوته رفيع لكن يكون غليظًا, فيكون الصوت نديًا - أي رفيعًا - ينادي السماع.
فإن قال قائل: وهل يشترط أن يكون المؤذن عالمًا بالعربية؟
فالجواب: لا, إذا الأذان على وجه ليس فيه لحن يحيل المعنى كفى, أما إذا كان لحنا يحيل المعنى فإنه لا يصح أذانه, فإذا قال: «الله أكبر» لم يصح الأذان؛ لأن الجملة تتحول من خبرية إلى استفهامية, وإذا قال: «الله أكبر» لا يصح أيضًا؛ لأن (أكبار) على وزن (أسباب) مفردها