السماعات في المنارة أن يراعى هذا, أن تكون واحدة في اليمين وواحدة في الشمال إذا لم يمكن أن توزع السماعات على الجهات الأربع.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يسن وضع الأصبعين في الأذنين عند الأذان من أوله إلى آخره, وهل السنة باقية إلى الآن؟ نعم, ما دمنا نقول: إن العلة في ذلك علو الصوت وانحساره بخروجه من الفم, فنقول: هذه العلة موجودة الآن حتى إذا أذن بمكبر الصوت.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الالتفات إنما يكون في العنق فقط ولا يستدير بمعنى: أنه لا يلتفت بجميع بدونه ولا يستدير إذا كان في منارة, وكانت المنارات يجعل لها حوضًا محيطًا بها, ويؤذن المؤذن في الحوض الذي من جهة القبلة, ويكون عنق المنارة مانعًا من سماعه بالنسبة لمن كان خلف القبلة, فكان بعضهم يقول: إذا كان في منارة فإنه يستدير من أجل أن يسمع كل من حول المنارة صوت المؤذن, لكن الصواب أنه لا يستدير حتى في المنارة.
١٧٦ - وعن أبي محذورة رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أعجبه صوته, فعلمه الأذان». رواه ابن خزيمة.
«أعجبه» أي: استحسنه, والإعجاب يأتي بمعنى الاستحسان, ومنه قول عائشة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره, وفي شأنه كله». فعلمه الأذان, لماذا علمه؟ ليؤذن. ففي هذا فوائد:
أولًا: اختيار الصوت الحسن للأذان.
ثانيًا: أنه ينبغي لولي الأمر أن يعلم المؤذنين كيف يؤذنون, إما على وجه الدورات؛ يعني: يجعل دورات في كل بلد لمدة أسبوع, أو أسبوعين, أو شهرًا, أو شهرين, حسب ما تقتضيه الحاجة, وجهة قوله: «فعلمه الأذان» ولم يقتصر على أن يسمع أبو محذورة الأذان من بلال, بل علمه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه.
ومن فوائد الحديث: أنه لا غضاضة على الإمام الأعظم في تعليم عامة الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة الأذان بنفسه, لا يترفع ويقول: اجعل واحدًا من الناس يعلم بل يعلم هو بنفسه اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم واحتسابًا للأجر, لأن الإنسان إذا علم غيره شيئًا من الشريعة وعمل به صار له أجر من علمه.