للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجهك في السماء} [البقرة: ١٤٤]. كلمة {قد نرى} تدل على استمرار تقلب وجهه - عليه الصلاة والسلام -؛ لأنه لم يقل: «قد رأينا» , قد نرى فعل مضارع يدل على الاستمرار فكان ينظر إلى السماء لعله يصرف فصرفه الله عز وجل إلى الكعبة.

وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الكعبة قبلة الأنبياء كلهم, وأن اتجاه اليهود إلى بيت المقدس من تحريف الكلم عن مواضعه, ومن صنيع اليهود, وليس من شريعة الله, وأيا كان فالكعبة هي قبلة النبي صلى الله عليه وسلم وأمته إلى يوم القيامة, أما السنة فسيأتينا - إن شاء الله تعالى - بيان الأدلة من السنة على وجوب استقبال الكعبة ووجوب استقبال الكعبة لا شك أنه عين الحكمة والصواب والرحمة؛ لأنها تجمع الأمة الإسلامية على اتجاه واحد وهو الكعبة فما ظنكم لو كان كل إنسان يتجه إلى ما يريد لكان الناس في المسجد الواحد يختلفون, لكن الله تعالى - بحكمته ورحمته - جعل الكعبة واحدة, ثم اختار عز وجل أن تكون الكعبة؛ لأنها أول بيت وضع للناس, وأشرف مكان على وجه الأرض هي الكعبة, فكان هذا حكمةً أخرى أن يتجه الناس إلى هذا البيت العتيق الذي هو أول بيت وضع للناس.

ولكن ما الفرض في استقبال القبلة؟ أما من أمكنه مشاهدة الكعبة فالفرض أن يتجه إلى عين الكعبة, وأما من لا يمكنه فالفرض أن يتجه إلى جهتها, والجهة كلما ابتعد الإنسان عن مكة اتسعت الجهة, وكلما قرب ضاقت الجهة, وأما قول بعض العلماء: من كان في المسجد الحرام فقبلته الكعبة, ومن كان بمكة فقبلته المسجد, ومن كان خارج مكة فقبلته مكة هذا ليس بصحيح, إنما يقال: من أمكنه مشاهدة الكعربة ففرضة أن يتجه إلى عين الكعبة, ومن لم يمكنه ولو في مكة اتجه إلى جهتها - أي: جهة الكعبة -, وكما قررنا أنه كلما بعد الإنسان عن الكعبة اتسعت الجهة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة: «ما بين المشرق والمغرب قبلة». وقال لهم: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها, ولكن شرقوا أو غربوا». فدل هذا على أنهم إذا اتجهوا للجنوب كل الجنوب يكون قبلة, أو إلى الشمال فكل الشمال يكون قبلة؛ ولهذا قال: «شرقوا أو غربوا».

<<  <  ج: ص:  >  >>