ذلك أيضًا قد يكون هناك أمطار توجب بلل الحمار, وبلل ثياب الراكب, وهذا القول - أعني: القول بطهارة الحمار - هو الراجح, ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الهرة: «إنها ليست بنجس» , وعلل هذا بأنها من الطوافين عليكم. الله عز وجل له الحكم؛ فقد يحكم بطهارة الشيء مع كونه خبيثًا لا يؤكل من أجل التخفيف على العباد, ولا شك أن طواف الحمار والبغل عند راكبيه أكثر من طواف الهرة, والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا, وهذا القول هو الراجح: طهارة البغل والحمار, البعير متفق عليه أنها طهارة لأنها حلال, ولو كانت نجسة ما حل أكلها.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المسافر يصلي على راحلته حيث توجهت به, إلى الجهة التي توجهت به يتوجه إليها.
فإن قال قائل: لو صلى إلى غير الجهة فهل تصح صلاته؟
في ذلك تفصيل: إن كان إلى القبلة صحت لأنها هي الأصل, وإن كان إلى غير القبلة لم تصح؛ لأنه لم يتجه إلى قبلة أصلًا ولا فرعًا. مثال ذلك: رجل يسير باتجاه الشمال, فرأى على يمينه شجرة, أو متاعًا أو ما أشبه ذلك, فعطف بالراحلة إليه لا لأنه جهة سيرة لكن لينظر ما هذا؛ فنقول: إن الصلاة لا تصح تبطل إلا إذا كان الاتجاه إلى القبلة فيصح؛ لأن القبلة هي الأصل فقد عدل عن الفرع إلى الأصل ولا يضر.
ولو أن البعير أو الراحلة على الأعم عصفت به فاتجه إلى غير القبلة وهو يحاول أن يردها لكنها أبت عليه هل تصح صلاته؟ نعم؛ لأن هذا أمر معتاد أن الراحلة قد تعصف بالراكب وتوجهه إلى غير جهته فلا يضر لاسيما إذا كان ذلك يسيرًا.
ومن فوائد هذا الحديث: أن فرض الراكب في الركوع والسجود هو الإيماء؛ لأنه لا يستطيع أن يصلي يركع ولا يسجد, لاسيما فيما سبق من الرواحل, إما حمار, أو بعير, أو فرس, أو بغل, ولا يتمكن, فهل نجعل هذا الحكم حتى مع القدرة على الركوع والسجود, أو نقول: حال العجز؟ الظاهر الثاني, أنه حال العجز, وأنه إذا أمكن أن يركع ويسجد وجب عليه أن يركع ويسجد كما لو كان في سفينة, مع أنه في السفينة قد نقول: لابد من استقبال القبلة؛ لأن المكان واسع ويمكن أن يتوجه يمينًا وشمالًا وحيث شاء.
ومن فوائد هذا الحديث: التيسير على المكلف في فضائل الأعمال؛ لأنه لا شك أن هذا من التيسير, إذا كان الإنسان يريد أن يتنفل ويتطوع لا نلزمه أن ينزل ويتطوع على الأرض, بل نقول: تطوع على راحلتك وهي تسير بك.