ومن فوائد هذا الحديث: أن هذا لا يجوز في المكتوبة لقول عامر: «ولم يكن يصنعه في المكتوبة» , وعلى هذا فإذا كان لا يصنعه في المكتوبة بقي الاستقبال في المكتوبة على الأصل أنه لابد أن يتجه إلى القبلة, لكن سبق لنا أن استقبال القبلة يسقط عند العجز وعند الخوف فلينقل إلى هنا.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأصل تساوي الفرض والنفل, ووجهه: أنه لولا ذلك لم يكن للاستثناء ضرورة؛ لأنه يقال: إنما ورد التخصيص في النافلة فتبقى الفريضة على الأصل فيأتي إنسان ويقول: نعم يبقى الأصل لكن يمكن أن نقيس ونقول: إن الفريضة كالنافلة؛ لأن ما يثبت في النفل ثبت في الفرض, فلما نفى الصحابي رضي الله عنه أنه لا يصلي عليها المكتوبة علمنا أن الأصل تساوي الفرض والنفل إلا بدليل.
إذن نقول في هذه المسألة: تختلف الفريضة عن النافلة, فإذا قال قائل: ما الحكمة؟ قلنا: الحكمة في هذا تنشيط الإنسان على التطوع؛ لأننا لو قلنا له: لابد أن تنزل وتصلي في الأرض لم يفعل, قال: هذه نافلة ولا حاجة للصلاة, فمن أجل تنشيط الإنسان على التطوع رخص له أن يتطوع على راحلته, هناك فروق بين الفرض والنفل أمليناها عليكم سابقًا أظنها تبلغ العشرين أو تزيد. قال:
٢٠٥ - ولأبي داود: من حديث أنس رضي الله عنه: «وكان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة, فكبر ثم صلى حيث كان وجه ركابه». وإسناده حسن.
قوله: «كان إذا سافر» كلمة «سافر» أي: فارق محل إقامته؛ لأنه مأخوذ من إسفار, كأنه تخلى عن القيد, وهو الإقامة في محله, فالسفر مفارقة محل الإقامة, ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح ولا ضعيف أنه محدد بأميال, أو فراسخ, أو برود, وإنما جاء مطلقًا, والأصل فيما جاء مطلقًا أن يرجع فيه إلى الشرع, فإن وجد له مقيد عمل به, وإن لم يوجد رد إلى العرف, هذه القاعدة, وإذا تأملنا الكتاب العزيز وجدنا أن الله تعالى يقول: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} [النساء: ١٠١]. وقال - جل وعلا -: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} [المزمل: ٢٠]. والذي يضرب في الأرض ابتغاء الرزق والتجارة قد يبعد سفره وقد يقترب, المهم أنه لا تحديد في الكتاب ولا في السنة, وإنما هي قضايا أعيان. «كان إذا سافر ... كذا وكذا صلى ركعتين» , وهذا ليس قيدًا, لكن بيان للواقع؛ أي: قضية عين.