إليه نظر إنكار-، فقال: واثكل أمياه، وهذه كلمة تقولها العرب للإشعار بالندم، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه، فسكت رضي الله عنه، ثم انتهت الصلاة، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال رضي الله عنه: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما أحسن تعليما منه صلوات الله وسلامه عليه، والله ما كهرني ولا نهرني، ما كهرني بوجهه فبعث وقطب، ولا نهرني بلسانه، وإنما قال:"إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن، أو كما قال، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وأن شأنها التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن، وانتهت القضية، لم يأمره بالإعادة ولا وبخه على الكلام، وإنما علمه هذا التعليم الهادئ الرشيد، وهذا الحديث - كما قلت- له سبب، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تنقسم كالقرآن الكريم إلى قسمين: ابتدائي وسببي، يعني: أن بعضها يكون له سبب، وبعضها لا يكون له سبب، ومعرفة السبب تعين على فهم المعنى والمراد به، وقد ألف العلماء - رحمهم الله- كتبا في بيان أسباب الحديث منها ما يكون صحيحا، ومنها ما يكون ضعيفا، لكن الحديث صحيح رواه مسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الصلاة" المشار إليه ليس إشارة تعيين عين ما، وإنما هو تعيين جنس، والفرق بينهما أننا لو قلنا: إنه تعيين عين لكان تحريم الكلام يختص بتلك الصلاة المعينة، وإذا قلنا: تعيين جنس صار المراد: كل الصلوات، وهذا هو المراد أن الإشارة هنا إشارة لتعيين الجنس لا لتعيين العين؛ وقوله: "الصلاة" ما دمنا قلنا للجنس يشمل كل ما يسمى صلاة سواء كانت نافلة، أو غير نافلة، وسواء كانت ذات ركوع وسجود أو لا، "لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" "شيء" نكرة في سياق النفي فتعم كل شيء سواء كان يتعلق بالصلاة أو لا، وقوله: "من كلام الناس" أي: من الكلام الذي يتخاطب به الناس، هذا مراده قطعا، وليست مراده: مما يتكلم به الناس؛ لأن الناس يتكلمون بالتسبيح والتكبير وقراءة القرآن في الصلاة، لكن من كلام الناس أي: مما يجري بينهم في المخاطبة؛ "إنما هو" إاذ كان اللفظ "هو" المحفوظ فهو ضمير الشأن؛ يعني: إنما شأن الصلاة التكبير وتسبيح الله عز وجل وذلك في الركوع والسجود والاستفتاح، في الاستفتاح: سبحانك اللهم وبحمدك وفي الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي العلى، والتكبير تكبيرة الإحرام، وهي مقدم التكبير، وهي أوكد التكبيرات، وهي ركن لا تنعقد الصلاة بدونها، وأما بقية التكبيرات فالتكبير في الركوع في المسبوق إذا وجد الإمام راكعا سنة، والتكبير في الانتقالات على القول الراجح واجب، "وقراءة القرآن" تشمل قراءة الفاتحة، وقراءة غيرها، والقرآن هو هذا الذي بين أيدينا، وهو مصدر كالغفران والشكران، "الكفران"، إما بمعنى اسم