للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاعل، وإما بمعنى اسم المفعول، فبمعنى اسم المفعول يكون تقديره: قارئ؛ لأنه جامع كالقرية تجمع ساكنيها، وعلى اسم مفعول يكون مقروءا- أي: متلو- وكلاهما صحيح.

في هذا الحديث دليل على فوائد عديدة، منها: أن الكلام - كلام الآدميين- مبطل للصلاة؛ لقوله: "لا يصلح فيها شيء".

ومنها: أنه لا فرق بين كون الكلام كثيرا أو قليلا، ولا فرق بين أن يكون في النفل أو في الفريضة لعموم "شيء"، ولا فرق بين أن يكون جاهلا أو عالما، ولا فرق بين أن يكون ناسيا ذاكرا لقوله: "شيء" في سياق النفي، لكن الجهل والنسيان سيأتينا - إن شاء الله- الكلام عليهما، وأنهما لا يدخلان في الحديث، والحديث لا يدل عليهما.

ومن وائد الحديث: أنه لا فرق بين أن يكون الكلام من حرف أو حرفين، المهم أن يكون كلاما، فإذا قال المصلي لشخص: "ع" يعني: أمر من الوعي، من وعى يعي ع، فهنا هذا كلام جملة كاملة فتبطل الصلاة مع أنه ليس من حرفين، وإذا تنحنح وقال: اح، اح تبطل أو لا؟ لا تبطل مع أنهما حرفان؛ لأن هذا الخير لا يسمى كلاما، والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق يعرف الكلام من غير الكلام فعبر بالكلام: فما كان كلاما أبطلت به الصلاة، وما ليس كلاما فإنه لا تبطل به الصلاة.

ومن فوائد هذا الحديث: أن ما يتعلق بخطاب الباري - جل وعلا- لا يبطل الصلاة، فلو قال المصلي: رب أسألك، رب أستغفرك، رب أشكرك، فهذا كلام يخاطب به الرب عز وجل، فالصلاة لا تبطل بهذا؛ لأن هذا ليس مما يتداوله الناس بينهم، بل هو دعاء وعبادة، واستثنى بعض العلماء خطاب النبي صلى الله عليه وسلم حيث علمنا أن نقول: السلام عليك أيها النبي، وفي هذا الاستثناء نظر؛ لأن السلام عليك أيها النبي دعاء وليس خطابا كالخطاب العادي، ولذلك يقوله الصحابة وهم بعيدون عن مكان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لا يسمعهم أيضا فليس خطاب الآدميين المعتاد، ولكنه دعاء، ولذلك الآن نحن نقول: السلام عليك، وأن لنا مخاطبته، وعليه فالاستثناء فيه نظر؛ لأن هذا دعاء، لكن لقوة استحضار الإنسان بما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم كأنه حاضر بين يديه؛ ولهذا نقول: إن الأثر الذي رواه البخاري عن ابن مسعود قال: "كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات كنا نقول: السلام على النبي". هذا الأثر - وهو في صحيح البخاري- يعتبر اجتهادا من ابن مسعود في مقابلة النص؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علم أمته هذا الدعاء بهاذ اللفظ "السلام عليك"، ولم يقل: قولوا هكذا ما دمت حيا بل أطلق، ولأننا نعلم أن

<<  <  ج: ص:  >  >>