٢١٢ - وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن قال:"إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته، حتى نزلت:{حفظوا على الصلوت والصلوة الوسطى وقوموا لله قنتين}[البقرة: ٣٢٨]. فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام". متفق عليه، واللفظ لمسلم.
قوله:"إن كنا" هذه (إن) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف وجوبا، ويسميه النحويون ضمير الشأن، والتقدير: أنه أي الشأن، وقال بعضهم: إنه يقدر ضمير مناسب للسياق، وليس شرط أن يكون ضمير الشأن هو المفرد المذكر الغائب، وبناء على هذا القول يكون التقدير: إننا كنا نتكلم، لكن الذين اضطروا إلى أنه ضمير الشأن قالوا: لأجل أن يكون ما بعده جملة هي خبر الضمير، ويدل لكونها مخففة من الثقيلة وجود اللام في الخبر "لنتكلم"؛ ولهذا لو حذفت اللام وقيل: إن كنا نتكلم" تحتمل أن تكون نافية؛ ولهاذ يقال: إن هذه اللام اللام الفارقة.
قوله: "حتى نزلت {حفظوا على الصلوت}[البقرة: ٢٣٨]. والمحافظة على الصلاة تشمل المحافظة على شروطها وأركانها وواجباتها ويكمل ذلك مكملاتها، فمثلا لو صلى على غير وضوء لم يحافظ عليها، ولو صلى وفي ثوبه قذر وقد علم به لم يحافظ، ومن أخرها عن وقتها لم يحافظ، فالمحافظة إذن هي القيام بشروطها، وأركانها، وواجباتها، وتكميل ذلك بالمكملات، وقوله:{على الصلوت} هذه عامة، وقوله:{والصلوة الوسطى} خاصة، والمراد بالصلاة الوسطى: هي صلاة العصر، وقد اختلف فيها العلماء على أقوال كثيرة، وإن الإنسان ليعجب أن يكون مثل هذا الخلاف مع أن الحديث صريح صحيح في أنها صلاة العصر كما فسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال في يوم الخندق:"شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر". وهذا نص صريح ولا ينبغي أن يكون فيه الخلاف، فهي إذن صلاة العصر، وعليه تكون صلاة العصر أفضل الصلوات ثم يليها صلاة الفجر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"من صلى البردين دخل الجنة". والبردان: هما الفجر والعصر، وقوله:"إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم على أن تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا".
{وقوموا لله}: وقوموا في الصلاة كما قال الله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلوة}[المائدة: ٦]. والمعنى: قوموا في الصلاة لله، "اللام" للاختصاص؛ يعني: هذا يجب فيه الإخلاص، وفي قوله:{لله} الإشارة إلى وجوب القنوت لقوله: {قنتين} ولهذا قدم الإخلاص