على العمل، {وقوموا لله قنتين}؛ لأنه إذا كان الإنسان قائما لله فإنه سوف يقنت، والمراد بالقنوت هنا: السكوت عن كلام الناس؛ ولهذا قال:"فأمرنا بالسكوت"، وإذا قال الصحابي:"أمرنا" فالآمر الرسول صلى الله عليه وسلم "بالسكوت" أي: السكوت عن كلام الآدميين؛ يعني: عن تكليم الرجل صاحبه في الصلاة، وليس عن السكوت مطلقا؛ لأن الصلاة فيها كلام، "ونهينا عن الكلام" أي: كلام الآدميين، ففي هذه الآية بيان السبب؛ يعني: أنها نزلت لسبب، وسيأتي.
هذا الحديث فيه فوائد منها: جواز النسخ في الأحكام الشرعية، وهذا هو المتفق عليه بين العلماء - علماء الشريعة- أن النسخ جائز في الأحكام، ومعنى كونه جائزا أي: غير ممتنع، لكنه واجب إذا اقتضت المصلحة؛ لذلك ستجدون في كتب الأصول أن النسخ جائز، ومرادهم بالجواز: عدم الامتناع، لكنه في وقته يكون واجبا بمقتضى حكمه الله عز وجل، لأن حكمه الله تستلزم أن يشرع الأحكام في وقتها المناسب، لا نقول هذا من عقولنا كما تقول المعتزلة إننا نوجب على الله أو نحرم على الله، لا، لكننا نقول هاذ بمقتضى حكمته؛ لأن الحكيم هو الذي يضع الأشياء في مواضعها، والنسخ جائز في جزء من الشريعة، وجائز في كل الشريعة، أما في جزء من الشريعة ثابت في شريعتنا وشريعة من قبلنا، فالنسخ في شريعتنا كثير؛ يعني: إلى عشر مواضع النسخ في الشرائع السابقة أيضا قال الله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبت أحلت لهم}[النساء: ١٦٠]. إذن التحريم صار بعد التحليل {طيبت أحلت لهم} هذا نسخ الشريعة كاملة أم نسخ جزء منها؟ نسخ جزء منها.
ويجوز أن تنسخ الشريعة كلها، لكن هذا في شريعتنا لا يمكن، لماذا؟ لأن هذه الشريعة آخر شريعة أنزلها الله لعباده، ولا يمكن أن ينسخها شيء، بل هي ناسخة لجميع الشرائع السابقة.
إذا قال قائل: هل هو جائز عقلا؛ يعني: بعد أن عرفنا أنه واقع شرعا، هل هو جائز عقلا؟
نقول: نعم جائز عقلا، وما المانع منه إذا اقتضت المصلحة أن يرفع الحكم الأول ويثبت الحكم الثاني؟ عقلا لا مانع، بل إن العقل يقتضي لزوم النسخ إذا دعت الحاجة إليه أو المصلحة، اليهود يقولون: ليس هناك نسخ في الشرائع؛ ولهذا كفروا بشريعة الإنجيل، وكفروا بشريعة القرآن ولكن يقال: فبحكم الله {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسراءيل على نفسه}[آل عمران: ٩٣]. حرم الله عليكم طيبات أحلت لكم بعد أن كانت حلالا، وقولهم ساقط، بعض علماء الشريعة قال: لا نسخ في الشريعة الإسلامية، وتأول تأويلا بعيدا، قال: إن الأصل في الحكم إذن نزل أنه شامل لجميع الأمكنة والأزمنة، فإذا نسخ فعموم الزمان بهذا النسخ