للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خص بهذا النسخ فنسميه تخصيصا ولا نسميه نسخا؛ إذن هذا الخلاف لفظي أم معنوي؟ لفظي ومع ذلك هو غلط، لماذا نهاب عن كلمة النسخ والله عز وجل يقول: {ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} [البقرة: ١٠٦]. فأثبت الله النسخ، وقال عز وجل: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطن في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطن} [الحج: ٥٢]. لكن هذه [الآية] الاستدلال بها فيه شيء من الضعف؛ لأن ما ألقاه الشيطان ليس بشرع، فالمهم أن النسخ ثابت بالقرآن والسنة، وأنه لا مانع منع عقلا، وأن تسميته تخصيصا مع الإقرار به ما هو إلا خلاف لفظي لا معنى له ولا وجه له.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الصحابة - رضي الله عنهم- في الصلاة لا يتكلمون كلاما لغوا بل لا يتكلمون إلا لحاجة؛ ولهذا قد يكلم أحدنا صاحبه بحاجته.

ومن فوائد هذا الحديث: أن القرآن نازل من عند الله كله وبعضه لقوله: "حتى نزلت".

ومن فوائده: أن القرآن نزل مفرقا لا جملة واحدة، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: {وقرءانا فرقنه على الناس على مكث} [الإسراء: ١٠٦]. يعني: قليلا قليلا، وقال عز وجل: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك}؛ يعني: أنزلناه كذلك مفرقا لأي شيء؟ {لنثبت به فؤادك ورتلنه ترتيلا} [الفرقان: ٣٢].

ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات علو الله عز وجل؛ لأن الذي يتكلم بهذه الآية من؟ الله، وإذا كانت نازلة لزم أن يكون المتكلم بها عاليا، وهذا أمر - أعني: علو الله عز وجل- تطابقت عليه الأدلة بجميع أنواعها الكتاب والسنة، والإجماع والعقل، والفطرة، وسبق الكلام على هذا في عدة مواضع.

ومن فوائد هذا الحديث: عناية الله - تبارك وتعالى- بالصلوات؛ حيث أمر بالمحافظة عليها.

ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة صلاة العصر لقوله: {والصلوة الوسطى}، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها صلاة العصر فلا يعتد بخلاف ذلك، حتى إن بعضهم نقل الإجماع على أنها صلاة العصر؛ لأن ما سوى ذلك باطل يعارض كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن قال قائل: ما معنى كونها الوسطى، هل هي في العدد أم في الفضل؟

قلنا: إن شئت فقل بالعدد، وإن شئت فقل بالفضل، أما العدد فالفجر صلاة نهارية؛ لأنها بعد طلوع الفجر يليها الظهر؛ والثالثة: العصر، والرابعة: المغرب، والخامسة: العشاء، وإن شئت فقل: بالفضل، وهذا هو الأهم، فتكون الوسطى بمعنى: الفضلى، ودليل هذا قوله تعالى: {وكذلك جعلنكم أمة وسطا} [البقرة: ١٤٣]. أي: عدلا خيارا، وقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: ١١٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>