للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الآية الكريمة التي تضمنها الحديث: وجوب الإخلاص لله لقوله: {وقوموا لله قنتين} [البقرة: ٢٣٨].

ومنها: وجوب الصلاة قائما لقوله: {وقوموا} وهذا في الفريضة، فيصلي الإنسان قائما؛ فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب. وهل على المصلي على الجنب أجر كأجر القائم؟ الجواب: نعم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما". ويستثنى من ذلك النافلة فإنها تجوز من قادر على القيام، ولكنه على النصف من أجر القائم؛ يعني أن يصلي قاعدا وهو قادر على القيام إلا أنه في الأجر أنقص ممن يصلي قاعدا، ويستثنى من ذلك العجز، لا يلزمه القيام كما في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، ويستثنى من ذلك الخائف كما لو كان الإنسان مستترا بجدار عن عدو ويخشى إن قام أن يبصره العدو، فهنا له أن يصلي قاعدا، ويستثنى من ذلك من صلى إمامه قاعدا فإنه يتبعه فيصلي قاعدا، وهل يشترط في ذلك أن يكون هذا الإمام إمام الحي أو لا يشترط؟ من العلماء من اشترط ذلك، وقال: إنه إذا لم يكن إمام حي فإنه ينحى عن الإمامة ويؤم الناس غيره، ولا حاجة إلى أن يصلي بالناس بخلاف إمام الحي، فإنه صاحب السلطان في مسجده فلا يتقدم عليه أحد ويصلي قاعدا للعجز، ولا يصلي من وراءه قعودا، ولكن ظاهر الحديث يخالف ذلك، وهو عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا". وعلى هذا فيدخل المأموم الذي يصلي إمامه قاعدا فيما استثنى من وجوب القيام.

ومن فوائد هذا الحديث: تفسير السنة بالقرآن فإن قول زيد: "أمرنا بالسكوت"- والآمر هنا النبي صلى الله عليه وسلم- يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر القنوت بالسكوت، وقد يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسر القنوت بالسكوت تفسيرا مطابقا وإنما فسره باللازم، وأن القنوت محله القلب، وأن يخشع الإنسان لربه عز وجل، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا، فكون النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نوعا من لازم القنوت وهو السكوت، وأيا كان فإن هذه الآية تدل على وجوب سكوت الإنسان عن كلام الناس.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز إخفاء الفاعل إذا كان معلوما؛ لأن كل أحد يسمع الصحابي يقول: "أمرنا"، و"نهينا" لا ينصرف ذهنه إلا إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كقوله تعالى: {وخلق الإنسن ضعيفا} [النساء: ٢٨]. فأخفي الخالق لأنه معلوم وهو الله - تبارك وتعالى-.

ومن فوائد الحديث: جواز النسخ؛ لأن حكم الكلام أولا الإباحة ثم صار حراما.

<<  <  ج: ص:  >  >>