ومن فوائد هذا الحديث أيضا: أن القرآن نازل منجما، وهذا أمر قطعي أنه نزل منجما، ولكن هل نزل منجما من عند الله - تبارك وتعالى-، يعني: أن الله تكلم به ثم تلقاه جبريل ونزل به في حينه، أو أن الله كتبه في اللوح المحفوظ وصار جبريل يتلقاه من اللوح المحفوظ؟
الأول هو المتعين لقول الله - تبارك وتعالى-: {فإذا قرأنه فاتبع قراءانه}[القيامة: ١٨]. ومعلوم أن الذي قرأه جبريل؛ لكن كون الله يطلق قراءة جبريل على قراءته يدل على أن الله قرأه على جبريل، ثم قرأه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إن ثبت أنه كتب في اللوح المحفوظ أولا- يعني: جميع القرآن كتب في اللوح المحفوظ- ثم نزل من عند الله عز وجل يتكلم به في حينه؛ فلا مانع ولا معارض، لكن حتى الآن لم يثبت أن القرآن كتب في اللوح المحفوظ قبل أن يتكلم الله به.
ومن فوائد الحديث: عموم علم الله - تبارك وتعالى-؛ لأن الله أنزل هذه الآية حين علم أن الناس يتكلمون في صلاتهم، وهذا أمر معلوم؛ أي: أن الله بكل شيء عليم، معلوم مجمع عليه.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان ألا يحدث نفسه في حال الصلاة؛ لأن حكمة النهي عن كلام الناس بعضهم لبعض هو أن يكون القلب مقبلا على الله عز وجل لا ينصرف لغيره، فيستفاد منه أنه لا ينبغي للإنسان أن يتشاغل بحديثه مع نفسه، كما كان أكثر الناس في أكثر صلواتهم على هذا الوجه، ولا يسلط الشيطان إلا إذا دخل الإنسان في الصلاة فتح له من أبواب التفكير والوساوس ما لم يطرأ على بال؛ لأن الشيطان عدو يجري من ابن آدم مجرى الدم، فهو حريص على إفساد عبادته؛ ولهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتفل على يسارنا ثلاث مرات، ونستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
٢١٣ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء". متفق عليه - زاد مسلم:"في الصلاة".
قوله:"التسبيح للرجال" يعني: قول: سبحان الله، كما جاء ذلك مفسرا في بعض روايات البخاري، وإن لم يأت مفسرا فهو واضح أن التسبيح قول:"سبحان الله"، وقوله:"للرجال" يعني: الذكور، فلا يخرج به من دون البلوغ، "والتصفيق" يعني: ضرب إحدى اليدين بالأخرى، "للنساء" جمع نسوة أو جمع امرأة، يحتمل هذا وهذا، ولكن حتى لو قلنا: جمع نسوة، فإن نسوة جمع امرأة، فيكون (امرأة) من المفردات التي لا تجمع من لفظها، كما أنه يوجد جموع ليس لها مفرد من لفظها مثل: الإبل، ما مفرد الإبل؟ فإنها ليس لها مفرد من لفظها، واللغة واسعة، إذن "للنساء" نقول: يشمل البالغة وغير البالغة، وقوله:"في الصلاة" يشمل الفريضة والنافلة؛ لأن "أل" للعموم.