للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبب هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى من أصحابه التنبيه بالضرب على الأفخاذ فقال: "إذا نابكم شيء فليسبح الرجال وليصفق النساء". "التصفيق" قلنا: ضرب إحدى اليدين على الأخرى، والمراد باليدين: الكفان؛ لأن اليدين إذا أطلقت فهما الكفان، وإن قيدت فبما تتقيد به، لكن كيف يكون هل ببطن كل يد على بطن الأخرى، أو بظهر كل يد على ظهر الأخرى، أو بظهر اليمنى على بطن اليسرى، أو ببطن اليسرى على ظهر اليمنى، أو أنه عام؟ عام، المهم أن يكون بضرب إحدى الكفين على الأخرى حتى يكون له صوت قيد ذلك بعضهم بأن يكون بأصبعيه، لكن هذا لا يصلح. فنقول: التصفيق هو أن تضرب المرأة بإحدى كفيها على الأخرى بحيث يكون لذلك صوت.

ففي هذا الحديث فوائد: وهو أن الإنسان في صلاته إذا تشاغل بشيء لا يصده عن الصلاة فلا بأس فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي وهو يصلي. أو نقول للناس: سدوا آذانكم، لا، فإذا كان لا يشغله فلا بأس، ومن المعلوم أن الإنسان إذا نابه شيء فسوف يسمعه أو يراه، فإذا سمعه أو رآه فهذه الوظيفة يسبح الرجال ويصفق النساء.

فإن قال قائل: ما الحكمة في أن يأتي بالتسبيح دون الحمد مثلا، يعني: لم يقل الرسول: فليحمد الله؟ لأن هذا يقع كثيرا في النسيان، ينسى الإمام فيزيد أو ينقص أو يقوم في مكان القعود، أو يقعد في مقام القيام، والنسيان مما ينزه الله عنه؛ فناسب أن يكون التنبيه بالتسبيح الدال على تنزيه الله عن كل نقص.

ومن فوائد هذا الحديث: أن التسبيح لا يبطل الصلاة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، أو أخبر به خبرا على وجه الإقرار، ولو كان يبطل الصلاة ليبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة تبطل به.

فإن قال قائل: لو عدل المصلي إذا نابه شيء إلى غير التسبيح بأن تنحنح أو جهر بما يقرأ به فلا بأس؟ سيأتينا - إن شاء الله.

ومن فوائد هذا الحديث: أن العمل للمصلحة أو الحاجة في الصلاة لا يبطلها، وذلك لقوله: "والتصفيق للنساء"؛ لأن التصفيق عمل لكنه للحاجة أحيانا أو للمصلحة؛ إن كان لسهو الإمام فهو لمصلحة الصلاة، وإن كان لشيء ناب الإنسان بأن استأذن عليه أحد أو ما أشبه ذلك فهو للحاجة.

ومن فوائد هذا الحديث: حكمة الشريعة الإسلامية في التفريق بين الرجال والنساء حسب ما تقتضيه الحكمة، والحكم هنا: أن صوت المرأة ينبغي ألا يسمعه الرجال إلا للحاجة، والمرأة لو سبحت لسمعها الرجال، وربما تكون رخيمة الصوت فيفتتن بها السامع؛ فلهذا أمرت بالتصفيق دون التسبيح، وأمر الرجال بالتسبيح؛ لأن صوت الرجال مع الرجال ولا يتأثر به النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>