للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورعا وتمسكا بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وبلال معروف هو مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، سأله ابن عمر وهو أعلى منه نسبا وأقرب منه إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام- وهو أيضا أعلم من بلال، سأله كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم - أي: على الناس- حين يسلمون عليه؛ لأن الناس كانوا يسلمون على الرسول - عليه الصلاة والسلام- وهو في صلاته، فكان قبل تحريم الكلام يرد عليهم، وحين حرم الكلام امتنع، كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرد عليهم السلام ولما رجع عبد الله بن مسعود من الهجرة وسلم عليه لم يرد عليه، فصار في نفسه لماذا لم يرد فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يحدث في أمره ما شاء، وإنه أحدث ألا نتكلم- أو قال: - ألا تتكلموا في الصلاة".

وظاهر حديث ابن مسعود أنه لم يشر إلى الرد، لكن حديث بلال هذا يقول: "كان يرد عليهم فيقول: هكذا وبسط كفه" لكن رفعها قليلا، هكذا.

ففي هذا الحديث فوائد، منها: خفاء بعض الأحكام على من هو أعلم، وجهه: أن بلالا كان عنده علم بهذا، وأن ابن عمر ليس عنده علم، وهذا سهل؛ يعني: المسألة خفيت على أحد، ولكن الغريب أن تخفى مسألة على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ومعه المهاجرين والأنصار وذلك في حديث الطاعون. عمر رضي الله عنه توجه إلى الشام في أثناء الطريق قبل له: إن الشام فيها طاعون، والطاعون - أعاذنا الله وإياكم منه وأجارنا- مرض فتاك إذا نزل بأرض فتك بأهلها فتوقف عمر وليس عنده دليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، توقف أيمضي أو يرجع إلى المدينة وجميع الصحابة المهاجرين والأنصار ثم القدامى من المهاجرين، وكان الرأي أن يرجع، ولكن مع ذلك صار فيه شيء من التوقف حتى جاء عبد الرحمن بن عوف، وكان قد غاب في حاجة له، وأخبرهم بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاطمأنوا ورجعوا؛ يعني: الخليفة الراشد وكل الصحابة الذين كانوا معه، كلهم خفي عليهم هذا الحديث، فلا تستغرب أن يخفى حكم مسألة على رجل من أكبر العلماء يعرفها أنى واحد من طلبة العلم، لا يستغرب.

ومنها: حرص الصحابة - رضي الله عنهم- على العلم، فلم يستنكر ابن عمر أن يسأل بلالا عن هذه المسألة، وهذا أمر معلوم، أعني: حرص الصحابة على العلم.

ومنها: جواز السلام على المصلي، وجه هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرهم ولو كان غير جائز لنهاهم، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، منهم من قال: إنه جائز، ومنهم من قال: إنه سنة،

<<  <  ج: ص:  >  >>