ومنهم من قال: إنه مكروه، أما من قال: إنه جائز فاستدل بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على السلام عليه، وأما من قال: إنه سنة، فقال: الأصل في السلام أنه سنة، فإذا أقرهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي كان إقرارا لهم على أصله، وما هو الأصل؟ السنية فيكون مسنونا، وأما من قال: إنه مكروه، فعلل ذلك بأمرين احدهما أن المصلي مشغول، وإذا كان مشغولا فلا ينبغي أن تشغله، ثانيا: إنك إذا سلمت على المصلي فقد ينسى ويقول: عليك السلام، وما أكثر الغفلة في الصلاة فيسلم عليه فنقول: عليك السلام، وقد يكون جاهلا كعامي لا يدري عن الأمور فيسلم عليه فيقول: عليك السلام، وقد تلحقه الهيبة فيقول: عليك السلام مثل أن يمر به السلطان فيقول: السلام عليك، فمع الدهشة يقول: عليك السلام، فإذا كان في هذا عرضة لإبطال صلاة المصلي فإنه يكون مكروها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الصحابة حين كانوا يقرأ بعضهم عند بعض وهم يجهرون ويصلون نهاهم وقال:"لا يؤذين بعضكم بعضا في القرآن"، فما دمنا نخاف فلا نفعل، لكن أقرب الأقوال انه مباح.
ويعارض القول بأن الأصل السنية أن يقال: بأن هذا مشغول ولا يمكن أن نقول إنه مكروه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقره عليه ولا يمكن أن نقول الصحابة عندهم علم ومعرفة بخلاف العوام بعدهم، لأننا لو قلنا بهذا لبطلت استدلالاتنا بكثير من الأحاديث، فالأقرب أنه لا يكره وأنه مباح، ولكن هل يكتفي بهذا الرد بالإشارة؟ هذا ظاهر الحديث أنه يكتفي، هذا فيمن سلم ماشيا واضح أنه يكتفى به، لكن فيمن سلم وجلس حتى انتهى المصلي من صلاته هل يرد عليه قولا، أو نقول: إنه يكتفى بالرد الأول لأنه مما جاءت السنة؟ الظاهر الثاني، أي: أنه يكتفى، وكونه يجلس أو يمضي في سبيله ليس على المصلي شيء منه، ولكن لا شك أن من حسن الأخلاق أنه إذا انتهى من صلاته - المصلي- يرد على أخيه يقول: وعليك السلام كيف أنت، كيف حالك؛ لأنه قد يكون من الجفاء ألا ترد، وكل شيء يوجب سرور أخيك واطمئنانه وإزالة ما في قلبه من ظن الكبر فيك فهو خير.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الحركة من غير جنس الصلاة للحاجة لا بأس بها، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده للسلام للحاجة، وهذه الإشارة من جنس الصلاة أو لا؟ لكن للحاجة لا بأس بالحركة.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز إطلاق القول على الفعل، وجهه: قال: "بيده"، ومثل هذا