وفيه:"الكلب الأسود شيطان"، وسبب هذه الجملة أن أبا ذر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما بال الأسود من الأحمر، والأبيض والأصفر وما أشبه ذلك؟ فقال له:"الكلب الأسود شيطان"، قيل معناه: أنه شيطان متصور بكلب، وقيل معناه: شيطان أي: شيطان الكلاب، كما أن للإنس شياطين، وللجن شياطين، وشيطان الإنس ليس هو شيطان الجن، فيكون معنى الشيطان: أنه أشدها شرا وضررا وقبحا، وليس المعنى: أنه شيطان تصور بكلب.
هذا الحديث فيه فوائد، منها: أن هذه الثلاثة تقطع الصلاة، سواء كان ذلك في صلاة النفل أو الفريضة، وسواء كان المصلي إماما أو مأموما أو منفردا، ولكن سبق أن المأموم سترته سترة إمامه، وعلى هذا فيخرج من هذا العموم.
ومن فوائد هذا الحديث: بيان فوائد السترة وهي أنها تمنع من بطلان الصلاة إذا مر من ورائها واحد من هذه الثلاثة لقوله: "إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل"، وإذا قلنا بأن السترة تجزئ ولو دون ذلك كفت السترة.
ومنها: أن المرأة الصغيرة لا تقطع الصلاة، فلو مرت فتاة صغيرة بين يدي المصلي فإن صلاته باقية على صحتها.
ومنها: أنه لا فرق بين أن تكون المرأة المارة غافلة أو منتبهة؛ لأن الحديث مطلق، فإن دفعت بدون قصد فهل تقطع الصلاة أو لا تقطع؟ هذا عندي فيه تردد، وهذا يقع أحيانا في الزحام تدفع المرأة حتى تمرق بين يدي المصلي، فهل نقول: إن هذا بغير اختيارها فلا يقال إنها مرت، أو يقال: إن اشتغال المصلي بمرور المرأة بين يديه لا فرق فيه بين أن تكون باختيارها أو بغير اختيارها، فإذا رجعنا إلى الأصل قلنا: الأصل صحة الصلاة، فلا يمكن أن نبلها إلا بشيء مؤكد.
فإن قال قائل: كيف نجيب عن اعتراض عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حيث أنكرت هذا وقالت: شبهتمونا بالكلاب والحمير، وقد كنت أنام معترضة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي؟
فالجواب عن هذا من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا يمكن أن يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول أحد كائنا من كان، حتى لو كان أفقه الصحابة وأشدهم اتصالا بالرسول صلى الله عليه وسلم، لأننا إنما أمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: أن اعتراضها رضي الله عنها لا وجه له؛ لأن الحديث ورد في غير الصورة التي ذكرت، والحديث وارد في المرور وهي لم تمر - هي مضجعة بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تمر - فيكون هذا الاعتراض لا وجه له.