للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبق لنا أنها تستر من الناس من جهة أن من مر من ورائها لا يضر المصلي شيئا، سواء كان ممن يقطع الصلاة أو لا، وأيضا هي تحمي الإنسان؛ لأن من مر به وأمامه السترة احترمه وتجنب أن يمر بين يديه، فهي تستر من الناس من هذين الوجهين.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب مدافعة من أراد أن يجتاز لقوله: "فليدفعه فإن أبى فليقاتله"، وهذا يدل على أنه لابد من المدافعة، وهذا في الفريضة أو النافلة واضح فيما إذا كان المار ممن يقطع الصلاة، فواضح أنه يجب؛ لماذا؟ لئلا يفسد عبادة واجبة، والعبادة الواجبة يجب على الإنسان إتمامها أما في النافلة أو إذا كان المار ممن لا يقطع الصلاة فالظاهر أن الأمر ليس على الوجوب بل على سبيل الاستحباب، وقد يقول قائل: إنه من باب الوجوب لا من حيث إفساد الصلاة، بل من حيث إنه تعزير وتأديب للمار حتى يتنبه؛ لأن بعض الناس - ونراهم في الحرم المكي- يمشي وعيونه في السماء ولا يبالي، فإذا شعر بأن المصلي سيدفعه فإن أبى فإنه يقاتله حينئذ ينتبه، المهم أن وجوب الدفع ظاهر فيما إذا كانت الصلاة واجبة والمار ممن يقطع الصلاة فيما عدا ذلك يحتمل أن يكون للوجوب، ويحتمل أن يكون للاستحباب؛ وذلك لأن صلاة النافلة لو قطعها الإنسان عمدا بدون عذر فله ذلك، ولكن نقول: قد نوجبه من جهة أخرى وهي التعزيز والتأديب لهذا، وأنه يجب على الإنسان أن ينتبه لإخوانه، ويرجح هذا- أي: يقويه- قوله: "فإن أبى فليقاتله".

ومن فوائد الحديث: أنه إذا أراد أحد أن يجتاز ممن يجاوز ما بين يديه فليس له الحق في مدافعته، لكن ما الذي بين يديه؟ قال بعض العلماء: يرجع في ذلك إلى العرف فما عد بين يدي المصلي فهو ما بين يديه، وما لا فلا، وقيل: يتقدر هذا بثلاثة أدرع من قدم المصلي، والأرجح أن ما بين يديه إن كان شيئا محددا كالسجادة والبلاطة في المسجد الحرام فما كان داخل المحدد فهو ما بين يديه، وما جاوزه فليس بين يديه، وإن لم يكن هناك محدد فما بين يديه هو منتهى سجوده، يعني: موضع الجبهة عند السجود؛ وذلك لأن هذا المصلي له مكانا محترما، فما مكانه المحترم؟ مكانه المحترم هو الذي يحتاجه للصلاة عليه، والرجل لم يحدد شيئا معينا لم يضع سترة ولم يكن له مصلى محددا، فإذن نقول: إنه لا يملك من الأرض إلا مقدار ما يحتاج في صلاته وهو منتهى سجوده.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا صلى إلى غير سترة فليس له الحق أن يمنع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيد الأمر بما إذا صلى إلى سترة، وهذه المسألة لولا أحاديث أخرى لكان هذا مقتضى النص، لكن هناك أحاديث أخرى تدل على أنه يدفعه مطلقا إذا أراد أن يجتاز بين يديه، وهذا هو الصحيح: إذا أراد أن يجتاز بين يديك وإن لم يكن لك سترة فلك أن تدفعه، لكن تفترق السترة

<<  <  ج: ص:  >  >>