وغيرها بأن ما بينه وبين السترة كله محترم ولو بعد عن موضع السجود؛ إلا إذا كان بعدا فاحشا، وأما إذا لم يكن له سترة فإلى منتهى سجوده هذا هو الفرق.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لو أراد أحد أن يناول شخصا من بين يدي المصلي فلا بأس، الدليل قوله:"أن يجتاز"، وأما لو مد يده إلى الذي وراء المصلي يناوله شيئا أو يسلم عليه فلا بأس، لكن إذا كان هذا يحصل به تشويش على المصلي مثل أن يؤدي إلى أن المصلي ينظر أو يتابع النظر على هذا الذي مد يده، فحينئذ نقول: لا تفعل؛ لماذا؟ لأنه يؤدي إلى التشويش على المصلي وإدخال النقص في صلاته، أما إذا كان المصلي لا يهتم بذلك كرجل معروف بالخشوع في صلاته أو رجل أعمى لا ينظر إليه فلا بأس.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز مقاتلة من أبى أن يندفع، وحاول أن يجاوز لقوله:"فإن أبى فليقاتله"، ومرادنا بالجواز: أنه لا تمتنع المقاتلة لكنها مأمور بها. فإن قال قائل: أخشى لو قاتلته أن يقاتلني؟ قلنا: نعم، هذا ظاهر اللفظة "فليقاتل"؛ لأن المفاعلة تقتضي الفعل من الجانبين، فيقول: أخشى أن يقاتلني ثم تطول المسألة يضربني أضربه، نقول: إذا كان يخشى فساد صلاته بكثرة الحركة فلا يفعل؛ لأن أصل المقاتلة من اجل حماية الصلاة، فإذا أدى ذلك إلى فسادها فلا يفعل، وإذا تجاوز من فعل المأمور به من المدافعة ثم المقاتلة فالإثم على من؟ على المار.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بقرن الأحكام بعللها؛ لقوله:"فإنما هو شيطان"، وهذا أمر مطلوب للمفتي أن يقرن الأحكام بعللها أو بأدلتها، لاسيما إذا شعر بأن المستفتي لم يطمئن كثيرا بحيث قد يكون استغرب الإفتاء، فهنا ينبغي إن لم يجب أن يقرن الفتوى بالدليل أو بالعلة الواضحة حتى يطمئن المستفتي، على أنني أحبذ أن يقرن الفتوى بالدليل في كل فتوى إذا أمكنه ذلك؛ لأنه إذا قرن الحكم بالدليل صار المستفتي يفعل اتباعا للدليل، وهذه المسألة مهمة؛ لأن الفعل اتباعا للدليل هو تحقيق المتابعة للرسول - عليه الصلاة والسلام-، وأنت إذا قلت للمستفتي: هذا حرام هذا واجب؛ فإنه سيقتنع ما دام يعرف أنك من أهل الفتوى، لكن إذا قلت: يجب لقول الله تعالى، يجب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، يحرم لقول الله تعالى، يحرم لقول الرسول، فإنه لا شك يزداد طمأنينة من وجه، ويشعر بأنه إذا فعل ما أفتيته به فهو متبع للدليل؛ وهذه مسألة مهمة ينبغي للإنسان المفتي أن يقرن الحكم بالدليل ما أمكنه حتى يكون مرشدا من وجهين: من وجه بيان الحكم، ومن وجه حمل الناس على الاتباع والتأسي، أما إعطاء الحكم جافا بدون دليل فإنه لا شك أنه يجزئ، ولكنه مع الدليل أحسن،