للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متساوية بحيث لا يفضل أحدها على الآخر؟ إن قلتم: نعم، فهذا يحتاج إلى إثبات ودليل، وإن قلتم: لا - وهو الغالب- ورد إشكال وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعدل بين زوجاته فيما يملك العدل فيه.

والجواب على هذا أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم برضاهن، وإذا رضيت الزوجات أن تفضل إحداهن على الأخرى في المنزل فلا حرج؛ لأن الحق لمن؟ فإذا رضين بالمفاضلة فلا حرج.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يصلي إلى شيء يشغله لقوله: "أميطي قرامك عني"، ومن ثم كره العلماء - رحمهم الله- أن يكتب في قبله المسجد شيئا قالوا: لأنه يلهي المصلي وصدقوا، هذا بقطع النظر عن المكتوب فإذا كان المكتوب شيئا منكرا ازداد ظلمة إلى ظلمته، ومن هذا ما يكتب في بعض المساجد: (الله، محمد)، لفظ الجلالة يكون عن يمين المحراب، ومحمد عن يسار المحراب؛ فإن هذا منكر ولا شك، ووجه كونه منكرا: أن وضعهما مكتوبين على حد سواء نوع من جعل النبي صلى الله عليه وسلم ندا الله تعالى؛ ولهذا لما قال له رجل ما شاء الله وشئت، قال: "أجعلتني لله ندا، بل ما شاء الله وحده". والرجل الذي لا يعرف المنزلة: منزلة الرب عز وجل، ومنزلة الرسول إذا رآها هكذا مكتوبين يظن أنهما في منزلة واحدة، وكذلك لو كان مكتوب في الجدار أشياء لا يستقيم معناها كالذين يكتبون على المحراب: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا} [آل عمران: ٣٧]. هذا لا يجوز؛ لأن المحراب موضع الصلاة وليس الطاق الذي في القبلة، وهم يجعلون هذه الآية منزلة على الطاق الذي في القبلة، والطاق الذي في القبلة قد اختلف الناس فيه أي: في جوازه؛ فمنهم من يرى أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مذابح كمذابح النصارى. وفسروا ذلك بالمحاريب، والصحيح: أن المحرم إنما هو ما أشبه محاريب النصارى؛ لأنه قيد "نهى عن مذابح كمذابح النصارى"، وأما المحاريب التي لا تشبه محاريب النصارى فليس فيها كراهة، بل فيها مصلحة، بل فيها الدلالة على القبلة وعلى مكان الإمام، إذن إذا رأينا هذه الآية مكتوبة على المحراب فإننا نتصل بالمسئولين ونبلغهم بذلك، وإذا أبلغناهم بهذا برئت الذمة، ومنها أن تكتب أسماء لله عز وجل لم تثبت أو أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم لم تثبت؛ فهذا ينهى عنه ويزداد النهي حيث إن هذه الأسماء لم تثبت.

ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر قد يلهيه الشيء عما هو أهم منه لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنها لا تزال تصاويره تعرض لي".

<<  <  ج: ص:  >  >>