ومنها: أنه إذا غلب الوسواس على أكثر الصلاة لم تبطل لقوله: "لا تزال تعرض لي في صلاتي" و"لا تزال" من الأفعال الدالة على الاستمرار، وهذا القول هو الراجح من أقوال العلماء؛ لأن السنة تدل عليه؛ ولأن القول يبطلان الصلاة إذا غلب الوسواس على أكثرها مشقة على الناس.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا حصل للإنسان ما يخل بكمال صلاته من فعل فاعل فإنه يطلب من هذا الفاعل أن يزيله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تزيله.
ومنها: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إنه لم يزل هذا القرام بنفسه؛ لأنه لو أزال بنفسه لكان في ذلك مشقة عليها، لكن أمرها أن تزيله هي لأنها هي التي وضعته.
ومنها: الإشارة إلى أنه ينبغي إذا رأى الإنسان شيئا منكرا أو سمع شيئا منكرا من شخص أن يتصل بهذا الشخص يبين له المنكر حتى يزيله الشخص بنفسه، وهذا يقع كثيرا، تسمع مقالة الشخص أنه كتب مقالا أو تكلم بكلام ليس بصواب فهل الأولى أن ترد عليه أو الأولى أن تتصل به وتبين له الخطأ ليكون هو الذي يباشر تصويب ما قال؟ الثاني بلا شك؛ لأن هذا أحسن، أما إذا أصر وعاند والأمر منكر لا يدخل فيه الاجتهاد فيجب عليك أن تبين الحق. قال:
٢٣٦ - واتفقا على حديثها في قصة أنبجانية أبي جهم، وفيه:"فإنها ألهتني عن صلاتي".
"الأنبجانية" ذكرنا أنها كساء غليظ، وأما "الخميصة" فهي كساء معلم له أعلام، وذلك أن أبا جهم لما أهدى خميصته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبل الهدية ويثيب عليها، فيحتمل أن تكون هذه الأنبجانية أثاب النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهم على هديته، ويحتمل أنها لأبي جهم، على الاحتمال الأول لا الإشكال، وعلى الاحتمال الثاني يقال: كيف يطلب النبي صلى الله عليه وسلم من أبي جهم أنبجانية؟ وسيأتي الجواب عن هذا الإشكال.
فمن فوائد الحديث المتفق عليه: جواز صلا الإنسان بالثياب الرفيعة المنزل والقيمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة، ومحل ذلك: ما لم يشغله عن صلاته، فإن شغله عن صلاته فلا يفعل.
ومن فوائد ذلك: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث إنه لما رد على أبي جهم هديته طلب منه ما عند أبي جهم وهو الأنبجانية سواء قلنا إنها من النبي صلى الله عليه وسلم أو لا، ووجه كون ذلك من حسن الخلق: أنه إذا طلب النبي صلى الله عليه وسلم منه الأنبجانية طاب قلبه ولم ينكسر، وهذا أمر يجب على الإنسان أن يراعيه فيما إذا حصل ما يوجب كسر القلب أن يحرص على التئام القلب.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز سؤال الإنسان إذا علمنا أن المسئول يسر بهذا السؤال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طلب أنبجانية أبي جهم؛ لأنه يعلم علم اليقين أن أبا جهم يسر بذلك ولا يستثقله.