قلنا: لأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم يفسر بعضها بعضًا, فيجب أن يحمل ما دل منها على شيء على ما تقتضيه النصوص الأخرى؛ لأن الشرع يكمل بعضه بعضًا, فلا يمكن أن نأخذ بحديث وندع الأحاديث الأخرى, كما لا يمكن أن نأخذ بآية وندع الآيات الأخرى.
ومن فوائد هذا الحديث: هل يمكن أن نقول: يجب على أهل الأحياء أن يصلوا في مساجدهم؟ هذا فيه شيء من الثقل, أما وجه القول بالوجوب فلأننا نقول: إذا لم يكن الناس يأتون إلى هذه المساجد صار بناؤها عبثًا وإضاعة مال ولا فائدة منه, ومعلوم أن الشريعة لا تأتي بمثل هذا, فيكون وجوب بناؤها دليلًا على وجوب الحضور إليها, وإلا فلا فائدة, فإن استقام هذا الاستدلال فذلك المطلوب, وإن لم يستقم قلنا: إن وجوب الحضور إلى المساجد له أدلة أخرى, وأنه لا يجوز أن يتخلف الناس عن المساجد ويصلون في بيوتهم.
وقوله: «وصحح إرساله الترمذي». الإرسال في اصطلاح المحدثين: تارة يراد به ما رفعه التابعي أو الصحابي الذي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم, يعني: تارة يريدون بالمرسل هذا, وهذا هو المرسل الخاص الذي أسنده التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابي الذي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم, فالذين لم يبلغوا التمييز في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رووا الحديث فهو مرسل؛ لأنهم يسمعوه منه, فنقطع أن بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم واسطة كمحمد بن أبي بكر فإنه ولد في عام حجة الوداع فلو أسند حديثًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لقلنا: إنه مرسل, ولكن هل هو حجة - أعني: مرسل الصحابي - أو لا؟ الصحيح: أنه حجة؛ لأن الصحابي لا يمكن أن يسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا جازمًا به إلا إذا كان رواه عن صحابي أو تابعي ثقة؛ لأن عندهم من الأمانة والخشية لله عز وجل والتعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عندنا, وتارة يطلق المرسل عند المحدثين على ما سقط منه راوٍ في أي مكان من السند, وهذا يعلم بالتتبع, لكن لا تظن أنه كل ما قيل في الكتب المصنفة إنه مرسل؛ يعني: أنه رفعة التابعي أو الصحابي الذي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأننا بالتتبع وجدنا أنهم قد يطلقون المرسل على ما سقط منه راو أو أكثر في أي مكان.
إذا تعارض مرسل وواصل فهل نأخذ بالمرسل لأنه أحوط, أو نأخذ بالواصل لأن معه زيادة علم؟
الصحيح: الثاني أننا نأخذ بالواصل, والقول بأننا نأخذ بالمرسل لأنه أحوط يقابل بأننا نأخذ بالواصل لأنه أحوط, حتى لا تدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم, فالصحيح أنه إذا كان الواصل ثقة فإننا نأخذ بوصله؛ لأن الوصل زيادة, وزيادة الثقة مقبولة.
***